تتجلى أهمية التسامح في الإسلام من خلال الأحاديث النبوية التي تشجع على العفو وتحث على الصفح عن الآخرين. فالتعرف على الآيات القرآنية والسنة النبوية يعدّ من الأمور الأساسية التي ينبغي على كل مسلم الالتفات إليها. سنستعرض هنا بعض الأحاديث التي تحفز المسلم على التسامح وتدعو إلى نشر قيم التعاون والمحبة، حيث يسهم التسامح في بناء مجتمع متماسك يقوم على أسس المودة والتعاضد.
تعريف التسامح
التسامح هو إحدى الفضائل الإنسانية الرفيعة، وهو يعني التغاضي عن أخطاء الآخرين والعفو عنهم عند الإمكانيّة. يعدّ التسامح رمزاً للرحمة واللين، ويعكس القدرة على تجاوز الإساءات دون ادخار العواطف السلبية من حقد أو حسد. يبرز التسامح باعتباره أحد أبرز سمات الرسل والأنبياء عليهم السلام، وهو أيضًا من خصائص المتقين والصالحين.
أهمية التسامح في الإسلام
تأكيدًا على أهمية التسامح، نجد أن الله سبحانه وتعالى قد دعا له في آيات القرآن الكريم، كما حث النبي صلى الله عليه وسلم عليه. يسهم التسامح في تمكين الأمة الإسلامية من أن تكون أمة متوازنة، تغفر وترحم، ويعكس التسامح في الإسلام مجموعة من الصفات الحميدة والأخلاق التي تدعو إليها، مثل العفو عند القدرة والرأفة بين الناس.
فوائد التسامح والعفو
تتعدد فوائد التسامح والعفو، إذ يُعتبر التسامح طاعة لأوامر الله تعالى ويجلب رضاه. كما أن العفو ينمي الروح الطيبة في القلب وينأى بصاحبه عن مشاعر الكراهية. يساهم التسامح أيضًا في تعزيز العلاقات الاجتماعية ونشر الألفة والمحبة والسلام بين الأفراد، ويؤدي إلى استقرار النفس وتحقيق السكينة، متبوعًا بالحصول على مغفرة الله ودخول الجنة.
أحاديث تتعلق بالتسامح في الإسلام
تتضمن السنة النبوية العديد من الأحاديث التي تبرز قيمة التسامح في الإسلام. نعرض هنا بعضًا من الأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدث عن العفو والتساهل:
- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحكي نبياً من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون”، متفق عليه.
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر”، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه برد نجراني، فأدركه أعرابي فجبذه، فقال: يا محمد مر لي من مال الله، فالتفت إليه وضحك ثم أمر له بعطاء”، متفق عليه.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: “ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله”، رواه مسلم.
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أدخل الله عز وجل الجنة رجلًا كان سهلًا مشترًيا وبائعًا وقاضيًا ومقتضيًا”، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
آراء السلف والعلماء حول التسامح والعفو
تكاثرت الأقوال التي تدعو للعفو والتسامح بين السلف الصالح -رضي الله عنهم-، حيث كانت تهدف هذه الأقوال لتوضيح أهمية العفو وضرورة التسامح:
- قال الحسن: “أفضل أخلاق المؤمن العفو”.
- قال الحسن بن علي -رضي الله عنهما-: “لو أنَّ رجلًا شتمني في أذني هذه، واعتذر في الأخرى، لقبِلتُ عذرَه”.
- عن سعيد بن المسيب قال: “ما من شيء إلا والله يحب أن يعفى عنه، ما لم يكن حدًا”.
- قال الفضيل بن عياض: “إذا أتاك رجلٌ يشكو إليك رجلًا، فقل: يا أخي، اعفُ عنه؛ فإنَّ العفو أقرب للتقوى”.
- قال عمر بن عبد العزيز: “أحبُّ الأمور إلى الله ثلاثة: العفو في القدرة، والقصد في الجدة، والرفق في العبادة”.
- قال أبو الفتح البستي: “خذ العفو وأمر بالعرف كما أمُرتَ، وأعرض عن الجاهلين”.
حوادث التسامح في السيرة النبوية
تتوافر الكثير من القصص والمواقف في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أهمية التسامح. فيما يلي بعض المواقف التي تبرز قيمة التسامح في حياة النبي وصحابته:
- من دلائل التسامح مع الخدم، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: “خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، لا والله ما سبني سبة قط، ولا قال لي: أفٍ قط”، المصدر: تخريج المسند.
- تظهر قيمة التسامح في موقف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما أنصفت حسان بن ثابت.
- عن أنس -رضي الله عنه- قال: “كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه ردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي الكريم وقد أثرت بها حاشية الرداء”، المصدر: صحيح مسلم.
- يمكن رؤية التسامح في موقف أبي بكر -رضي الله عنه- مع مسطح بن أثاثة في قصة الإفك، حيث كان مسطح يتحدث عن حفيدته عائشة، فحلف أبو بكر ألا ينفق عليه، لكن نزول الآية كان سببًا لعودته للعطاء.
- تجسد التسامح أيضًا في موقف سعد بن أبي وقاص الذي دافع عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عندما تعرض لشتم من بعض النفوس السيئة.
آيات حول التسامح
يتضمن القرآن الكريم العديد من الآيات التي تتناول مفهوم التسامح والعفو، مما يعكس أهمية هذا المبدأ في حياة الأفراد والمجتمع. فيما يلي بعض الآيات القرآنية التي تشير إلى قيمة التسامح:
- من سورة البقرة: قال الله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
- من سورة الحجر: قال الله تعالى: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ).
- من سورة يوسف: قال الله تعالى: (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
- من سورة آل عمران: قال الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
- قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
- قال الله تعالى: (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
- من سورة المائدة: قال الله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
- من سورة الشورى: قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ).
- من سورة الزخرف: قال الله تعالى: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ).
- من سورة النور: قال الله تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
- من سورة التغابن: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).