أحمد بن حنبل
يُعتبر أحمد بن حنبل أحد أهم المحدِّثين والفقيهاء المسلمين، وهو الرابع بين الأئمة الأربعة لدى أهل الجماعة والسنة، حيث يُعزى إليه تأسيس المذهب الحنبلي. اشتهر بإتقانه لحفظ العلوم العميقة، وسيرته الطيبة المتميزة بالتواضع والصبر والتسامح، مما جعله محط إعجاب الكثير من علماء الدين مثل الإمام الشافعي. ومن الجدير بالذكر أنه واجه انتقادات قاسية حينما خالف بعض العلماء في مسألة كون القرآن الكريم مخلوقاً، مما أدى به إلى التعذيب والسجن، وهي المحنة الأشد التي واجهها في حياته. في هذا المقال سنُسَلِّط الضوء على أبرز جوانب حياته.
اسم ونسب أحمد بن حنبل
يُعرف أحمد بن حنبل بأبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبدالله بن حيان بن عبدالله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. ويجدر التوضيح أنه من نسل شيبان بن ذهل وليس كما يُقال إنه من نسل شيبان بن ثعلبة. أما والدته، فهي صفية بنت ميمونة بنت عبد الملك بن سوادة بن هند الشيبانية، ووالدها كان من أبرز رجال بني شيبان الذين كانوا يكرمون القبائل العربية الزائرة.
مولد أحمد بن حنبل وأسرته
وُلد أحمد بن حنبل في شهر ربيع الأول عام 164 هـ، والشهود اتفقوا على زمن ولادته، لكنهم اختلفوا حول مكان الولادة. يُرجح أنه وُلد في مرو ببلاد فارس حيث كانت موطن عمل والده، وآخرون قالوا إنه وُلد في بغداد بعد أن جاءت والدته حاملاً به من مرو. لكن المؤرخين يميلون إلى الرأي القائل إن ولادته كانت في بغداد.
يُعتبر أحمد بن حنبل عربياً ذهلياً بالنسبة لوالده وشيبانياً نسبة لوالدته، إذ كانت قبيلتا ذهل وشيبان من بني بكر بن وائل، وهي إحدى القبائل العدنانية التي تلتقي في نسبها مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم. عُرفت هذه القبيلة بعزتها وصبرها، فضلاً عن أنها كانت من أقوى القبائل في الجاهلية والإسلام، مما جعلهم مميزين في مساكنهم للبطيئة والبصرة. ومع أن عائلته كانت من أصل بصري، فقد عُرف بالألاصف البصري.
نشأة أحمد بن حنبل
نشأ أحمد بن حنبل يتيماً، فقد توفي والده عندما كان لا يزال صغيراً، فتولّت والدته تربيته في كنف عائلة والده. ترك له والده بيتًا في بغداد مع بعض الموارد التي تكفي لتأمين حياته. تربى في بغداد وسط أجواء تعليمية وثقافية غنية، حيث توافد عليها العلماء في مختلف المجالات.
كانت تربية ابن حنبل مُركَّزة على العلوم الدينية، مثل الحديث والقرآن واللغة، وقد توافق ذلك مع ميوله، فحفظ القرآن منذ صغره واشتهر بالأمانة والتقوى. بالإضافة لذلك، تم تعليمه كتابة النصوص، مما أكسبه مكانة خاصة لدى من حوله، واعتبره العديد من الآباء قدوة لأبنائهم.
طلب أحمد بن حنبل للحديث النبوي
كان أحمد بن حنبل أمام خيارين، إما أن يتبع مسالك الفقهاء أو أن يصبح من رواة الحديث، وقد بدأ في اختياره بالتوجه نحو الحديث، لكنه سعى في البداية للتعلم من الفقهاء الذين اهتموا بالحديث والرأي. كانت أولى خطواته التعليمية تحت إشراف القاضي أبو يوسف، لكن سرعان ما مال لاستكشاف علوم المحدثين الذين كانوا يركزون على الحديث النبوي بشكل أساسي.
أخلاق أحمد بن حنبل وصفاته
- الورع والزهد: اشتهر أحمد بن حنبل بالورع والزهد، وكثرة صلواته واجتهاده في العبادة، خاصة أثناء المحن التي تعرض لها، إذ كان يصوم ويمارس العبادة رغم التعذيب.
- غزارة العلم: عُرف الفقيه بعلمه في الحديث، وكان مُلمّاً باللغة الفارسية ويمارس التحدث بها أحياناً.
- قوة الحفظ: يتمتع أحمد بحفظ قوي؛ حيث يقال إنه حفظ ما يناهز ألف ألف حديث.
- الصبر: يُعتبر ابن حنبل رمزاً للصبر، حيث تجلى ذلك في تحمله للمحن وحفاظه على عزيمته في مسيرته العلمية.
- التواضع: عُرف بتواضعه ومساعدته للفقراء، ولم يكن يسعى لمناصب أو مجلس، بل إنه كان يُفضل التروّي والنقاش.
- الهيبة: كانت هيبته تكتسب الاحترام دون خوف، حيث تركت أثرًا عميقًا في نفوس أساتذته والطلاب على حد سواء.
- صفته الشكلية: عُرف بحُسن مظهره، حيث كانت له لحية مُخضبة باللون الأسود وثياب نظيفة وبسيطة، تعكس التزامه بالزهد.
وفاة أحمد بن حنبل
توفي أحمد بن حنبل في يوم الجمعة، الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام 241 هـ، عن عمر يناهز 77 عاماً. دُفن في منطقة الحيدرخانة ببغداد بعد صلاة العصر، وقد تم نقل رفاته لاحقاً إلى مسجد عارف آغا بسبب الفيضان الذي حدث في عام 1937م في نهر دجلة.