أبو جعفر المنصور: الخليفة العباسي ودوره في تاريخ الإسلام

أبو جعفر المنصور

يُعتبر أبو جعفر المنصور الخليفة الثاني في سلسلة خلفاء الدولة العباسية. ولد في منطقة الحميمة بالأردن في عام 95 هـ، واسمه الكامل هو المنصور عبد الله بن محمد بن علي العباسي، ويُعرف بلقب (أبو جعفر). يُعتبر المنصور مؤسساً حقيقياً للدولة العباسية، حيث وضع أسس السياسة فيها وسنّ الأنظمة التي تضبط الحكم، وساهم بشكل كبير في إرساء قاعدة وراثة الحكم لعائلته. كما أسس للسياسة الدينية التي اعتمدتها الدولة العباسية كمحور رئيسي للحكم. بفضل خبراته الشخصية وتجاربه المُعاشة، استطاع المنصور أن ينقل الدولة العباسية إلى مستويات متقدمة، حيث أصبحت مركزاً للحضارة الإسلامية بفضل جهوده الإدارية وحسن تخطيطه.

صفاته

تحلى أبو جعفر المنصور بعدة صفات رئيسية، مثل:

  • طول قامته ونحافته، مع لون بشرة سمراء.
  • جبهة عريضة ووجه معرّق.
  • شجاعة وحنكة، حيث كان يحمل هيبة مميزة.
  • حرصه على المال وابتعاده عن اللهو والعبث.
  • استقامة علمية وثقافية، حيث كان فقيهاً وأديباً معروفاً.

شخصيته القيادية

تميز أبو جعفر المنصور بالجدّية في العمل، إذ لم ينغمس في ملذات الحياة ومشاغل السلطة، بل استثمر سلطته في خدمة الدولة وشؤونها. كان يُدرك أهمية المال ويحرص على إنفاقه فيما يعود بالنفع على الشعب، مما جعل بعض المؤرخين يعبرون عن رأيهم بأنه كان بخيلاً. أظهر اهتماماً خاصاً في اختيار الولاة بعناية لمتابعة كل ولاية في الدولة، وكان ينتدب أفضل الكفاءات للقضاء والشرطة. كما كان يُحاسب أي مسؤول يتقاعس عن أداء واجباته.

دوره في إنشاء الدولة العباسية

تولى أبو جعفر المنصور خلافة الدولة العباسية بعد وفاة أبي العباس في عام 136 هـ. ومنذ بداية حكمه، وضع أولوياته على ثلاثة قضايا رئيسية كانت تشكل تهديداً لدولته:

  • منافسة عمّه عبد الله بن علي، حيث أرسل جيشاً بقيادة أبي مسلم الخراساني للقضاء على هذه المنافسة، وقد حُسمت المعركة لصالحه بعد ستة أشهر من القتال.
  • اتساع نفوذ أبي مسلم الخراساني، الأمر الذي دفع المنصور لاتخاذ تدابير ذكية بترقيته إلى ولاية مصر والشام بدلاً من خراسان.
  • خوفه من تمرد أبناء عمومته من آل علي بن أبي طالب، مما استدعى اعتقالهم ووضعهم في السجن بالعراق.

بعد تصفية التهديدات، بدأ أبو جعفر المنصور في بناء مدينة بغداد كمركز للعباسيين، والتي تمتاز عن سائر المدن بفخامتها وسمعتها كمدينة للعلماء والمفكرين. وأنشئت بغداد بِتكلفة مالية ضخمة خلال أربع سنوات، وتم تصميمها بشكل دائري وبثلاثة أسوار تحتوي على أربعة أبواب رئيسية.

فتوحاته

على الرغم من عدم حدوث فتوحات كبيرة في عهد أبو جعفر المنصور، إلا أنه خاض العديد من المعارك. وقد تمكن (قسطنطين) من دخول أراضيهم وهدْم سور ملاطية بسبب انشغالهم بالصراعات الداخلية. وعند انتهاء تلك الصراعات، استعاد المنصور نشاطه العسكري ونجح في السيطرة على المناطق القريبة من بلاد الروم. وفي عام 141 هـ، أرسل جيشاً بقيادة ابنه المهدي لغزو طبرستان.

واجه أبو جعفر أحداثاً عديدة مثل ثورة سنباذ في عام 137 هـ، التي اشعلها سنباذ المجوسي للثأر لمقتل أبي مسلم. وقد تمكن المنصور من قمع هذه الثورة بفضل قوة جيشه. كما واجه حركة غريبة تُعرف بالروانديّة في عام 141 هـ، حيث اعتقد أنصاره أنه إله. ورفض المنصور هذه الادعاءات، مما أدى إلى ثورة ضدّه، إلا أنه واجههم بقوة وحقق الانتصار.

اهتمامه بالعلم

اهتم أبو جعفر المنصور بإعادة النهضة العلمية في الدولة العباسية، فوجه دعوة إلى ملك الروم ليبعث إليه بكتب تعليم مترجمة، وتم تزويده بكتب العلوم الطبيعية وكتاب إقليدس. كما قام بتأسيس مكتبة خاصة بالمسلمين، وأمر بترجمة العديد من الكتب من لغات متعددة مثل الرومانية والفارسية والسريانية، بما في ذلك كتب الطب والرياضيات والفلسفة، ومن بين الكتابات المشهورة التي تمت ترجمتها كتاب (كليلة ودمنة) وكتاب (السند هند).

وفاته

توفي أبو جعفر المنصور في عام 158 هـ أثناء توجهه إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، ودفن هناك. وعُرف أن الحاجب (الربيع) لم يُعلن عن وفاته حتى أخذ البيعة من أهم قادة بني هاشم للمهدي. وكانت آخر كلماته قبل وفاته تطلب من الله بركة في لقائه: (اللهمَّ بارك لي في لقائك).

Scroll to Top