أحكام الطمث في الشريعة الإسلامية

أحكام الحيض

ما يحرم على المرأة أثناء الحيض

تحتوي فترة الحيض على مجموعة من الأحكام المتعلقة بالمرأة، وفيما يلي تفصيل لهذه الأحكام:

  • أولاً: الطهارة: يُمنع على المرأة الحائض أن تتوضأ أو تغتسل كما تفعل في حالة العبادات، وذلك وفقًا لما ذهبت إليه الشافعية والحنابلة.
  • ثانياً: الصلاة: يُجمع العلماء على عدم جواز أداء الصلاة للمرأة الحائض أو النفساء. والنفساء هي المرأة التي وضعت مولودها حديثًا ويستمر دم النفاس عليها حتى أربعين يومًا غالبًا. يُفسد وجود الحيض صحة الصلاة ويلغي حكم وجوبها على المرأة المسلمة مؤقتًا حتى ينتهي الحيض. وقد جاء هذا الحكم صريحًا في توجيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- بترك الصلاة أثناء الحيض، إذ قال: (إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي).

ويكون هذا الإلغاء تامًا فلا تجب على المرأة الحائض قضاء ما فاتها من الصلوات أثناء حيضها. وقد تساءلت بعض النساء عن سبب قضاء الصيام دون الصلاة، وتجيب عائشة -رضي الله عنها- بوضوح، قائلة: (قد كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم لا تؤمر بقضاء).

  • ثالثاً: الصيام: يُجمع العلماء على عدم جواز صيام المرأة الحائض، سواء كان فرضًا أو نفلاً. واستندوا في ذلك إلى حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: (إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم). ويختلف هذا عن الصلاة، إذ يجب على الحائض قضاء الصيام إذا كان فرضًا، مثل صيام رمضان. كما أنه إذا حاضت المرأة أثناء صيامها لكفارة شرطت فيه التتابع، فإنه يتوجب عليها الإفطار لأيام حيضها ثم تتابع الصيام، لأن الحيض يعد عارضًا غير متحكم فيه.
  • رابعاً: الحج: إذا خرجت المرأة للحج ثم حاضت، فإنه يُسمح لها بأداء بقية الأعمال، ولا يحرم عليها إلا الطواف. ويستند هذا الأمر إلى قول عائشة -رضي الله عنها-: (قدمت مكة وأنا حائض ولم أطُف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فقالت: فشكت ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: افعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري). يعكس هذا أنه يُشرع للمرأة الاغتسال للحج أو للوقوف بجبل عرفة، بيد أن الطواف بأنواعه مختلف؛ فمنه ما هو ركن مثل طواف الإفاضة، ومنه ما هو سنة مثل طواف القدوم.

إذا حدثت الحائض قبل طواف القدوم، سقط عنها، ولكن طواف الإفاضة فهو واجب ويجب عليها أن تطوف حين تطهر، ولا يُقبل طوافها وهي حائض حسب رأي الجمهور، في حين أن الحنفية يعتبرونه مكروهًا فقط. كما أن طواف الوداع يُخفف عن الحائض إذا طافت طواف الإفاضة، ويحكى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر صفية بنت حيي -رضي الله عنها- بالنفور دون طواف الوداع بعد أن كانت حائضًا وطهرت.

  • خامساً: قراءة القرآن: الرأي في هذا الأمر متنوع بين الفقهاء. الرأي الأول يعده محرمًا، ويستند إلى حديث: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن). ولكن بعد البحث، تُظهر الأدلة أنه قد يكون ضعيفًا. وقد وضع بعض الفقهاء شروطًا لقراءتها للقرآن؛ ويرى الشافعية أنها تجوز القراءة قلبياً دون التلفظ، في حين أن الحنابلة يسمحون لها بقراءة شيء من الآية وليس آية كاملة. وقد خالف الجمهور الإمام مالك، الذي أجاز للحائض قراءة القرآن مطلقًا.
  • سادساً: مس المصحف أو حمله: اتفق الفقهاء على عدم جواز مس المصحف للحائض، استنادًا إلى قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون). ومع ذلك، تسمح المالكية لها بلمسه لأغراض التعليم، بينما يُجوز الحنفية حمله بحائل غير من القرآن، ولكنهم يُكْرهون ذلك بأكمام الملابس إلا لأغراض التعلم.
  • سابعاً: دخول المسجد: لا يجوز للمرأة الحائض الجلوس أو البقاء في المسجد بأي حال من الأحوال، ولكن يُسمح لها بالمرور به بالأمر الطارئ. وقد ورد هذا الاستثناء في السنة النبوية، حيث طلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عائشة أحضار شيء من المسجد، وعندما اعتذرت بسبب حيضها قال: (إن حيضتك ليست في يدك). وبغض النظر عن الحالة الطارئة، يكره الفقهاء ذلك بشكل عام، باستثناء الحنفية والمالكية الذين يمنعون الدخول كلية. ودخول المرأة لمصلى العيد فيه اختلاف، حيث يُجَوّزه معظم العلماء باستثناء الحنابلة، بالإضافة إلى دخول مصلى الجنازة.
  • ثامناً: الجماع: يُمنع الجماع مع المرأة الحائض بالإجماع، وذلك استنادًا إلى قوله تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن). وقد أكد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك بقوله أثناء الحديث عن الحيض: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح). ومن الملحوظ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتمكن من النساء في حيضهن بدون دخول الفرج، بحيث يترك منطقة السرة نزولًا إلى الركبة، وهو ما أشار إليه حديث أم المؤمنين ميمونة -رضي الله عنها- حول هذا الأمر.

وبناءً على ذلك، يقترح بعض الفقهاء الجواز بشرط الساتر، بينما يمنعه آخرون خشية التوجه لما هو محرم. وقد عُيّنت كفارة للجماع خلال الحيض، حيث أوجب الحنابلة نصف دينار من الذهب، واستحب الحنفية والشافعية إخراج دينار من الذهب كصدقة إن وقع الجماع في الأيام الأولى للحيض، ونصفه إن مسؤولتها في نهايته، بينما الإمام مالك لم يوجب كفارة.

  • تاسعاً: الطلاق: يُحرم تطليق المرأة الحائض، ويستند هذا الحكم إلى حديث رواه الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عمر -رضي الله عنه- حيث طلق امرأته وهي حائض. فقد ذكر عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرًا).
  • عاشراً: الذكر: يُباح للمرأة الحائض ذكر الله تعالى بما شاءت من تسبيح وتكبير واستغفار وصلاة على النبي، بخلاف باقي العبادات. وقد كانت النساء في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرجن لعيد الأضحى ويكبرن كما يكبر الرجال ويدعين كما يدعو الناس حتى الحائض منهن.

قضاء الفائت من العبادات أثناء الحيض

يُمنع على الحائض أداء عدد كبير من العبادات، وبعضهم يمكن قضاؤه بعد الطهر كالصيام وطواف الإفاضة، بينما لا يجوز قضاء البعض الآخر كالصلاة. وفيما يلي شرح تفصيلي لذلك:

  • أولاً: قضاء الصلاة: يقصد بها الصلاة التي حاضت المرأة عنها في وقتها. والحالتان هما: الحالة الأولى، إذا حاضت في بداية الوقت، مثل أن يبدأ وقت صلاة الظهر ثم تحيض المرأة، حيث يرى الحنفية والمالكية أن تلك الصلاة تسقط. أما الشافعية والحنابلة فيرون وجوب قضائها. الحالة الثانية، إذا طهرت المرأة من الحيض في نهاية وقت صلاة ما، فإنه عند المالكية، إذا بقي وقتٌ كافٍ لركعة واحدة، يجب عليها الصلاة. لكن الشافعية والحنابلة يرون قضاء صلاة التي طهرت فيها، حتى لو لم يتبقى إلا وقت تكبيرة الإحرام، وتُقضى معها الصلاة السابقة إن كانتا مما يُجمع عند الجمع.

أما إذا طهرت قبل الفجر، فإن جميع الفقهاء متفقون على وجوب صيامها لليوم التالي. وقد اشترط الحنفية غسلها قبل الفجر، بينما المالكية والحنابلة اكتفوا بوجوب انقطاع الدم قبل الفجر حتى لو لم تغتسل.

  • ثانياً: استدراك الصيام: اتفق الفقهاء على وجوب قضاء المرأة لليوم الذي ينزف فيه الدم بعد الفجر، حتى انقطع بعد ساعات. واختلفوا في مدى وجوب الامتناع عن الأكل والشرب جراء انقطاع الدم. حيث يرى الحنفية والحنابلة وجوب الامتناع، بينما لا يرى الشافعية والمالكية ذلك.

إذا طهرت قبل الفجر، فالالزام بصيام اليوم التالي يبقى قائمًا.

  • ثالثاً: قضاء طواف الإفاضة: كما ذُكر سابقًا، الطواف محرم على المرأة أثناء الحيض، وهناك أنواع من الطواف. الطوافان اللذان هما من السنة (طواف القدوم وطواف الوداع) تسقطان عنها. لكن طواف الإفاضة كركن من أركان الحج، يجب عليها الانتظار حتى تطهر ثم تغتسل وتؤديه، ولا يصح حجها إلا بذلك.

الآثار الناتجة عن الحيض

يترتب على حيض المرأة عدة آثار مهمة في حياتها اليومية، والتي نوجزها كالتالي:

  • أولاً: البلوغ: يعتبر نزول الدم علامة لبلوغ المرأة ويدل على مسؤوليات التكليف الشرعي. كما يشير قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار) على أهمية ستر العورة أثناء الصلاة بموجب فرض التكليف.
  • ثانياً: وجوب الغسل: يكون حكم النفساء كحكم الحائض، حيث تترك العبادات أثناء الحيض وتغتسل بعد الطهر، والطهر يحدد بانقطاع الدم.
  • ثالثاً: كفارة الجماع أثناء الحيض: يُعتبر الجماع مع المرأة الحائض محرمًا، وقد أوجب الحنابلة كفارة مقدارها نصف دينار من الذهب.
  • رابعاً: الاعتداد بالحيض لفترة البراءة: تُبنى مدة العدة الشرعية للمرأة المطلقة على أساس استبراء رحمها. ويتطلب هذا الأمر بالعد من الحيضات الكفيلة بالبراءة، وهو ما يُفسر وفقًا لنص الآية (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)؛ حيث يُفسر القُرء بحيضة، وبالتالي فإن براءة الرحم تنتهي بعد ثلاث حيضات تمر بها المرأة المطلقة.

تعريف الحيض

الحيض لغويًا: هو السيلان، وشرعًا: هو دم يندفع من أقصى الرحم في غير وقت الولادة، وإلا يُسمى نفاسًا. يأتي في وقت محدد من كل شهر وغالبًا ما يميز بلونه الأسود وكثافته ورائحته الكريهة، وينجم عنه آلام شديدة للمرأة تتفاوت حدتها من امرأة لأخرى. ويظهر في القرآن الكريم في قوله -تعالى- في سورة البقرة: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى).

للحُكم “الحيض” أهمية كبيرة تتعلق بمجموعة من العبادات مثل الصلاة والصيام والحج وقراءة القرآن والطلاق والجماع وغير ذلك، واستحق تعلم أحكامه للمرأة كمعلومة ضرورية، نظرًا لأن الجهل بها قد يقود إلى إفساد العبادات وارتكاب المحرمات. وقد اختلف الفقهاء في تحديد أقصى وأدنى مدة للحيض، والتي نوضحها فيما يلي:

  • القول الأول: يقول الحنفية إن أقل الحيض ثلاثة أيام بلياليها، وأعلاه عشرة أيام بلياليها.
  • القول الثاني: يرّجع المالكية رأيهم إلى عدم وجود حد أدنى؛ حيث يعتبرون أن أقل الحيض هو دم نازل لمرة واحدة ثم ينقطع، بينما يحددون الحد الأعلى بخمسة عشر يوماً.
  • القول الثالث: يقتصر الشافعية والحنابلة على أقل حد ليكون يومًا وليلة، وأقيم الحد الأعلى بخمسة عشر يومًا بلياليهن، وغالبًا ما يكون سبعة أيام.

الفارق بين الحيض والاستحاضة

يمثل الحيض والاستحاضة حالتين مختلفتين، فالاستحاضة نوع من استمرار نزول الدم على المرأة في غير موعده، وتخرج من عرق يسمى العاذل، ويختلف شكل دم الاستحاضة عن دم الحيض من حيث حالته، إذ يكون عادةً رقيقًا ولا رائحة له، ويسمح للمرأة بأداء العبادات حال الاستحاضة.

وإذا تزامن نزول الكدرة والصفراء مع الحيض في وقته، تُعتبر حيضًا، لكن عند رؤية المرأة علامات الطهر ثم رؤيتها للكُدرة أو الصفراء، فلا تُعتبر حيضًا بل استحاضة. وهذا بناءً على الحديث: (كُنّا لا نَعُدّ الكُدْرة والصُفرَةَ بعدَ الطُّهْرِ شيئًا). الحكم في الاستحاضة هو وضوء لكل صلاة، حيث أقرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ما تراه المرأة بعد ذلك هو نوع من العرق وليس حيضًا.

صفة غسل الحائض

لطهارة المرأة الحائض طريقة للغسل تتبعها وفق ما طرحه الفقهاء. وفيما يلي المسائل الهامة المرتبطة بها:

  • صفة غسل المرأة بالتفصيل: تبدأ بالنية، ثم البسملة، ثم غسل اليدين، ثم غسل موضع الدم، والوضوء، ثم تعميم الرأس بالماء مع تخليله، وأخيرًا تغطية الجسد بالكامل بالماء. وتبدأ دائمًا بالشق الأيمن ثم الأيسر، وهنا يتم الأخذ في الاعتبار طريقة غسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الجنابة.

جاء في الحديث: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اغتسل من الجنابة، غسل يديه، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم اغتسل، ثم يُخلل بشعره، حتى إذا ظن أنه قد أرْوى بشرتَه، أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غَسَلَ سائر جسده). وقد اتفق الفقهاء على أن تعميم البدن بالماء يكفي لإتمام الطهارة المطلوبة في الحيض والجنابة، حتى لو لم تتبع المرأة صفات الغسل بالكامل.

  • الغسل والشعر المضفّر: إذا كانت المرأة قد ضفرت شعرها وأرادت الغسل، فقد يرى بعض الفقهاء اللزوم بنقضه، بينما يرى آخرون أنه غير واجب ولكن يستحب فعل ذلك.

وبخصوص استخدام المسك، ورد في السيرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حضّ النساء على استخدام شيء ذو رائحة عطرة على موضع الدم خلال الغسل، وهذا مستحب. ومع ذلك، فإن الماء هو الأساسي لتحقيق الطهارة.

  • طهارة الثياب المتسخة بالدم: أفاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كيفية تطهير الثوب إذا لمس الدم أثناء الحيض، إذ قال: (إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه، ثم لتنضحه بماء، ثم لتصلّي فيه). ويُعتبر من الثابت أن وسائل التنظيف الحديثة تُعد مطهرة للدم بالفعل.
  • التيمم بدلاً من الغسل: في حالة عدم توفر الماء، يُشرع للمرأة التيمم كبديل عن الغسل.
Scroll to Top