مفهوم الظلم
- يُعتبر الظلم من أخطر الصفات التي يمكن أن يقع فيها الإنسان، إذ يتمثل في سلب حقوق الآخرين وإعطائها لجهات غير مستحقة.
- الظلم يتناقض مع مفهوم العدل، ويمكن أن يشير إلى تجاوز الحدود والتصرف في أمور ليس للمرء حق فيها.
- كما أن الظلم لا يقتصر على نقصان الحقوق فحسب؛ بل حتى إذا زاد الإنسان أحدا في حقه عن المستحق، فإنه يُعتبر ظالماً لأنه يرفع الآخرين بغير وجه حق.
نوصي بزيارة المقالات المتعلقة بـ:
أنواع الظلم
- للظلم أشكال عدة، من ضمنها ظلم النفس، والذي له صور متعددة، ولكن أعظمها بين العباد هو الشرك بالله تعالى.
- وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الشرك كظلم في موضعين من القرآن، الأول في قوله تعالى: “إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ” (لقمان: 13).
- أما الثاني فهو قوله تعالى: “الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ” (الأنعام: 82).
- وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الظلم هنا بالشرك.
- من أبرز أشكال الظلم أيضاً هو انتهاك حرمات الله عز وجل عبر المعاصي والذنوب الكبيرة.
- قال تعالى: “وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” (البقرة: 229).
- كذلك يشمل ظلم النفس الاحتفاظ بالشهادة، كما قال الله تعالى: “وَمَنْ أَظْلَمُ مِّمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ” (البقرة: 140).
- من صور الظلم أيضاً قول الزور على الله، وهو من أعظم الكذبات، حيث قال تعالى: “فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا” (الأنعام: 21).
- أيضًا، نجد أن ظلم الناس لبعضهم طغى على المفهوم الشائع للظلم، وله أشكال متعددة، منها:
- الغيبة، والبهتان، والتجسس، وفضح الأسرار، وقذف المحصنات، وغيرها من آفات اللسان.
- أما الأفعال الظالمة فهي تتضمن القتل، والسرقة، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين، والربا، والرشوة، والعديد من الأفعال البشعة.
آيات قرآنية تؤكد براءة الله من الظلم
- قبل أن نذكر الآيات المتعلقة بالظلم، يجب التأكيد على الآيات التي تنزه الله عن الظلم.
- قال الله تعالى: “وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ” (غافر: 31)، وأيضاً: “وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ” (فصلت: 46).
- كذلك قال: “وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ” (آل عمران: 78).
- كما ينزه سبحانه نفسه عن الظلم حتى لو كان مقدار ذرة، قال تعالى: “إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ” (النساء: 40).
- وذكر أن الظلم الذي قد يبدو من الله ليس إلا ظلم من النفس؛ حيث قال: “إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” (يونس: 44).
آيات تتناول الظلم
- توجد العديد من الآيات القرآنية التي تتناول موضوع الظلم، بعضها تحذر من الظلم وأثره، وبعضها تبين عاقبة الظالمين ومكانتهم عند الله.
- قال تعالى: “وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ” (إبراهيم: 42).
- هذه الآية تعتبر تحذيراً من الله للظالمين، حيث يلوح بعقوبة لهم في وقت غير محدد، مما يزيد من شدة القلق والخوف لدى الظالمين.
- ويؤكد أن عاقبتهم ستكون وخيمة.
- كما ورد في قوله: “وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا” (طه: 111).
- وهي آية تصف حال الظالمين يوم القيامة.
- وأن الله سبحانه وتعالى لن يقبل اعتذارات الظالمين يوم القيامة، حيث قال: “فَيَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ” (الروم: 57).
- ونجد آيات أخرى تتناول مصير الظالمين.
- قال تعالى: “وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَن عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” (الشورى: 40).
- كما قال: “أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ” (هود: 18)، وأيضاً: “إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ” (الأنعام: 21)، و”إِنَّ اللّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” (المائدة: 51).
أحاديث نبوية تحذر من الظلم
- وردت عدة أحاديث نبوية تحذر من الظلم ونتائجه، ومن أبرزها ما أخرجه جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “اتَّقُوا الظُّلْمَ، فإنَّ الظُّلْمَ ظُلُماتٌ يَوْمَ القِيامَةِ، واتَّقُوا الشُّحَّ، فإنَّ الشُّحَّ أهْلَكَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ علَى أنْ سَفَكُوا دِماءَهُمْ واستَحَلُّوا مَحارِمَهُمْ” (صحيح مسلم).
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “انصُرْ أخاكَ ظالِمًا أوْ مَظْلُومًا”، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، فكيف أنصُرُه إذا كان ظَالِمًا؟ فقال: “تحجزه أو تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصره” (رواه البخاري).
- وكذلك جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: “إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: “وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ” (هود: 102) (صحيح البخاري).
- أما أبو هريرة رضي الله عنه فقد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره” (صحيح مسلم).
عواقب الظلم في الدنيا والآخرة
- يمكن أن يؤدي الظلم إلى عواقب وخيمة على مرتكبيه، وهو من الكبائر وله آثار سلبية جسيمة.
- إذ أن الظالم لا يكتب له الفلاح سواء في الدنيا أو الآخرة.
- حتى وإن بدا للناس أن الظالم يحقق مكاسب، إلا أن تنقص البركة والخير من حياته ومصادر رزقه.
- أيضًا، يُحرم الظالم من هداية الله وتوفيقه، مما يجعله يعيش في حيرة وفقدان هدف.
- إلى جانب أن الظلم يأتي بالمصائب والابتلاءات، مثل الأمراض أو فقدان الأحباء، أو خسائر مالية.
- كذلك قد تصبح الأمور صعبة وغير مُيسرة، ويؤدي به الحال إلى الوقوع في أفعال أكبر.
- كما أن الظلم قد يكون سبباً لهلاك بعض الأمم كما قال تعالى: “وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا”.
- ويعتبر هلاك الظالمين من سنن الله في الأرض حين يتزايد الظلم.
- ومن المغريات الشديدة للظالمين أنهم ملعونون في الدنيا والآخرة، مبتعدون عن رحمة الله تعالى.
مخاطر الظلم على الظالمين
- لا تقبل شفاعات الظالمين، سواء من الأنبياء أو الأحباب.
- ولا حتى شفاعة خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.
- يكون الظالم في حالة من الندم وعدم الفائدة يوم القيامة، فلا ينفعه ندمه أو حسرة قلبه.
- نتيجة حتمية تكون هي عذاب جهنم، حيث يستقبل العذاب بألوانه الفظيعة، كما أذاق في الدنيا المظلومين.
- وفي يوم الحساب، يكون الظالم موثوقاً بظلمه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأرضِ ظلمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ إياهُ يَومَ القِيامةِ من سَبْعِ أَرَضِينَ” (صحيح مسلم).
- كل من تعرض للظلم يقتطع من حسنات الظالم حتى تنفد، ثم تحمل عليه سيئاته.
- يمكن أن تلحق الدعوة من المظلوم بالظالم، مما يعذب في الدنيا والآخرة.
ولا تفوتك قراءة مقالاتنا عن:
دعوة المظلوم
- جاء التحذير في السنة النبوية بشأن دعوة المظلوم، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب” (رواه البخاري: 1496، ومسلم).
- وقال أيضاً: “ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم؛ يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي؛ لأَنْصُرَنَّكِ ولو بعد حين” (مشكاة المصابيح).
- يعني الحديث أنه لا يُمكن لأي أحد منع دعوة المظلوم من الوصول إلى الله، بل ترفع إلى الله سبحانه ويستجيب لها.
- قد لا تكون الاستجابة وفق رغبات المظلوم، ولكن الله قد يكافئ الظالم وفق حكمة واختيار الله، سواء في الدنيا أو تأخير العقوبة إلى الآخرة.
عقوبة الظلم في القرآن الكريم
الظلم من أعظم الذنوب التي حذر الله منها في القرآن، وهناك العديد من الآيات التي تتحدث عن عقوبة الظالمين، ومنها:
- قال تعالى: “وَلا تَحسَبَنَّ اللَّـهَ غافِلًا عَمّا يَعمَلُ الظّالِمونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ تَشخَصُ فيهِ الأَبصارُ” (إبراهيم: 42).
- قال تعالى: “وَتِلكَ القُرى أَهلَكناهُم لَمّا ظَلَموا وَجَعَلنا لِمَهلِكِهِم مَوعِدًا” (الكهف: 59).
- قال تعالى: “أَسمِع بِهِم وَأَبصِر يَومَ يَأتونَنا، لَكِنِ الظّالِمونَ اليَومَ في ضَلالٍ مُبينٍ” (مقتبس من يس 12).
- قال تعالى: “وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ” (القصص: 59).
- قال تعالى: “وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ” (المؤمن: 48).
- قال تعالى: “وَلَقَد أَهْلَكْنَا القُرُونَ مِن قَبلِكُمْ لَمّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي القَوْمَ المُجْرِمِينَ” (الأعراف: 96).
- قال تعالى: “قالَ أَمّا مَن ظَلَمَ فَسَوفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذابًا نُكرًا” (المؤمنون: 112).
- قال تعالى: “الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ” (غافر: 17).
- قال تعالى: “وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّـهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّـهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا” (الطلاق: 1).
كيفية التغلب على مشاعر الظلم
يمكن أن تترك تجارب الظلم آثاراً سلبية على النفس، ولكن توجد طرق مُستمدة من القرآن وسنة النبي للتغلب على تلك المشاعر:
-
الاحتساب عند الله:
- يُعتبر الاحتساب أحد أفضل الطرق للإفراج عن شعور الظلم، حيث يترك المسلم الأمر إلى الله تعالى. وقد وعد الله بنصرة المظلوم عندما قال الرسول: “اتقوا دعوة المظلوم، إنها ليس بينها وبين الله حجاب” (رواه البخاري ومسلم).
-
الصبر والاستعانة بالله:
- قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، استعينوا بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين” (البقرة: 153).
- الصبر هو من أعظم السبل للتخفيف من أثر الظلم والشعور به، واللجوء إلى الله في الصلاة يسهم في تخفيف الهموم.
-
الدعاء:
- تُعد الدعاء وسيلة فعالية لتجاوز شعور الظلم. يمكن للمظلوم أن يدعو بالأدعية مثل: “اللهم إني مغلوب فانتصر.”
- أو من خلال قول: “حسبي الله ونعم الوكيل.”
-
الصفح والعفو:
- قال الله تعالى: “فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ” (الحجر: 85).
- العفو عن الظالم قد يكون تحديًا، ولكنه يُعتبر من الأعمال النبيلة التي تُقرب العبد من الله، وتمنع الحزن والغم.
-
طلب النصرة من الله:
- كما ورد في الحديث: “ما من عبد يتعرض للظلم فيدعو الله إلا نصره الله، ولو بعد حين.”
-
تجنب الانتقام الشخصي:
- يتعين على المسلم أن يتجنب الانتقام أو احتفظ بالأحقاد، وأن يترك الأمر لله تعالى، فهو العادل القادر على رد الحقوق.