قصائد نزار قباني الرائعة في الحب

أحبك حتى ترتفع السماء

لأستعيد صحتي

وصحة كلماتي

ولأخرج من دائرة التلوث

الذي يحيط بقلبي

فالأرض من دونك

خداعٌ كبير

وتفاحةٌ فاسدة

حتى أدخل في عبادة الياسمين

وأدافع عن إرث الشعر

وزرقة البحر

واخضرار الغابات

أريد أن أحبك

حتى أطمئن

أنك بخير

أنك ما زلت بخير

وأسماك الشعر التي تسبح في دمي

تظل بخير

أريد أن أحبك

حتى أتحرر من جفاف

وملوحتي

وتكلس أصابعي

وفراشاتي الملونة

وقدرتي على البكاء

أريد أن أحبك

حتى أسترجع تفاصيل بيتنا الدمشقي

غرفةً غرفة

بلاطةً بلاطة

حمامةً حمامة

وأخاطب خمسين صفيحة فل

كما يستعرض الصائغ

أريد أن أحبك يا سيدتي

في زمنٍ

أصبح فيه الحب معاقًا

واللغة معاقة

وكتب الشعر معاقة

فلا الأشجار قادرة على الصمود

ولا العصافير قادرة على استعمال أجنحتها

ولا النجوم قادرة على التنقل

أريد أن أحبك

من عالم الحرية

وآخر رسالة من رسائل المحبين

وآخر قصيدة معلقة بلغة الضاد

أريد أن أحبك

قبل أن يصدر مرسوم فاشستي

وأرغب في تناول فنجان من القهوة معك

وأريد أن أجلس معك لدقيقتين

قبل أن تسحب الشرطة السرية الكراسي من تحتنا

وأريد أن أعانقك

قبل أن يقبضوا على فمي وذراعي

وأريد أن أبكي بين يديك

قبل أن يفرضوا ضريبةً على دموعي

أريد أن أحبك يا سيدتي

وأعيد صياغة التقويمات

وأغير أسماء الشهور والأيام

وأضبط ساعات العالم على إيقاع خطواتك

ورائحة عطرك

التي تملأ المقهى قبل قدومك

إنني أحبك يا سيدتي

دفاعًا عن حق الفرس

في الصهيل كما تشاء

وحق المرأة في اختيار فارسها

كما تشاء

وحق الشجرة في تبديل أوراقها

وحق الشعوب في تغيير حكامها

متى ما تشاء

أريد أن أحبك

حتى أعيد لبيروت رأسها المفقود

وإلى بحرها معطفه الأزرق

وإلى شعرائها دفاترهم المحترقة

أريد أن أعيد

لتشايكوفسكي بجعته البيضاء

ولبول إيلوار مفاتيح باريس

ولفان غوخ زهرة دوار الشمس

ولأراغون عيون إلزا

ولقيس بن الملوح

أمشاط ليلى العامرية

أريدك أن تكوني حبيبتي

حتى تنتصر القصيدة

على المسدس الكاتم للصوت

وينتصر التلاميذ

وتنتصر الوردة

وتنتصر المكتبات

على مصانع الأسلحة

أريد أن أحبك

حتى أستعيد الأشياء التي تشبهني

والأشجار التي كانت ترافقني

والقطط الشامية التي كانت تخدشني

والكتابات التي كانت تحكي قصتي

أريد أن أفتح جميع الأدراج

التي احتفظت فيها أمي

بخاتم زواجها

ومسبحتها الحجازية

التي ظلت تحتفظ بها

منذ يوم ولادتي

كل شيء يا سيدتي

دخل في حالة من الكوما

فالأقمار الصناعية

تغلبت على قمر الشعراء

والحاسبات الإلكترونية

تفوقت على نشيد الإنشاد

بابلو نيرودا

أريد أن أحبك يا سيدتي

قبل أن يصبح قلبي

قطعة غيار تُباع في الصيدليات

فأطباء القلوب في كليفلاند

يصنعون القلوب بالجملة

كما تصنع الأحذية

السماء يا سيدتي أصبحت واطئة

والغيوم العالية

قد بدأت تتسكع على الأسفلت

وجمهورية أفلاطون

وشريعة حمورابي

ووصايا الأنبياء

صارت جميعها تحت مستوى سطح البحر

لذا نصحني السحرة والمنجمون

ومشايخ الطرق الصوفية

أن أحبك

حتى ترتفع السماء قليلاً

أحبك جداً

أحبك جداً

وأدرك أن الطريق إلى المستحيل طويل

وأعلم أنك أسمى النساء

وليس لدي بديلاً

وأدرك أن زمن الحنين قد انتهى

ومات الكلام الجميل

أنتِ أعظم النساء، ماذا نقول

أحبك جداً

أحبك جداً وأعلم أنني أعيش في المنفى

وأنتِ في المنفى

بيننا

ريحٌ

وغيمٌ

وبرقٌ

ورعدٌ

وثَلجٌ ونار

وأدرك أن الوصول لعينيك وهمٌ

وأعرف أن الوصول إليك

انتحار

ويسعدني

أن أمزق نفسي لأجلك أيتها الغالية

ولو خيروني

لكررت حبك مرة أخرى

أيا من غزلت قميصك من أوراق الشجر

أيا من حميتك بالصبر من قطرات المطر

أحبك جداً

وأعلم أنني أسافر في بحر عينيك

دون يقين

وأترك عقلي ورائي وأركض

أركض

أركض خلف جنوني

أيا امرأة تمسك القلب بين يديها

سألتك بالله لا تتركيني

لا تتركيني

فماذا أكون أنا إذا لم تكوني

أحبك جداً

وجداً وجداً

وأرفض من نار حبك أن أستقيلا

وهل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقيلا

وما يهمني

إن خرجت من الحب حيًا

وما يهمني

إن خرجت قتيلاً

حب بلا حدود

يا سيدتي

كنتِ أهم امرأة في تاريخي

قبل رحيل العام

وأنتِ الآن أهم امرأة

بعد ولادة هذا العام

أنتِ امرأة لا أحسبها بالساعات أو الأيام

أنتِ امرأة

صُنعَت من فاكهة الشعر

ومن ذهب الأحلام

أنتِ امرأة كانت تسكن جسدي

قبل ملايين الأعوام

يا سيدتي

يا من غزلت من قطن وغمام

يا أمطاراً من ياقوت

يا أنهاراً من نهوند

يا غابات رخام

يا من تسبح كالأسمالك في ماء القلب

وتسكن في العينين كضوء القمر

لن يتغير شيء في عواطفي

في إحساسي

في وجداني وإيماني

فأنا سأبقى على دين الإسلام

يا سيدتي

لا تهميني تأثير الوقت وأسماء السنوات

أنتِ امرأة تبقى امرأة في كل الأوقات

سوف أحِبُكِ

عد دخول القرن الواحد والعشرين

وعند دخول القرن الخامس والعشرين

وعند دخول القرن التاسع والعشرين

وسأحبك

حين تجف مياه البحر

وتحتدم الغابات

يا سيدتي

أنتِ خلاصة كل الشعر

وردة كل الحريات

يكفي أنك أتهجى إسمك

حتى أصبح ملك الشعر

وفرعون الكلمات

يكفي أن تعشقني امرأة مثلك

حتى أدخل كتب التاريخ

وترفع من أجلي الرايات

يا سيدتي

لا تَضطربي كالعصافير في زمن الأعياد

لن يتغير أي شيء مني

لن يتوقف نهر الحب عن الجريان

لن يتوقف نبض القلب عن الخفقان

لن يتوقف شعر الحب عن الازدهار

عندما يكون الحب كبيرًا

والمحبوبة قمراً

لن يتحول هذا الحب

لحمولة من القش تأكلها النيران

يا سيدتي

لا يوجد ما يملأ عيني

لا الأضواء

ولا الزينات

ولا أجراس العيد

ولا شجر الميلاد

لا تعني لي الشوارع شيئاً

لا تعني لي الحانات شيئاً

لا يعني لي أي كلام

يكتب فوق بطاقات الأعياد

يا سيدتي

لا أتذكر إلا صوتك

حالما تدق نواقيس الأعياد

لا أتذكر إلا عطورك

حين أنام على ورق الأعشاب

لا أتذكر إلا وجهك

حين يتساقط الثلج على ثيابي

وأسمع صوت الأحطاب

ما يفرحني يا سيدتي

أن أختبئ كالعصفور الخائف

بين بساتين الأهداب

ما يبهرني يا سيدتي

أن تهديني قلماً من أقلام الحبر

أعانقه

وأنام سعيدًا كالأطفال

يا سيدتي

ما أسعدني في منفاي

أقطر ماء الشعر

وأشرب من خمر الرهبان

ما أقواني

عندما أكون صديق الحرية والإنسان

يا سيدتي

كم أتمنى لو أحببتك في عصر التنوير

وفي عصر التصوير

وفي عصر الرواد

كم أتمنى لو قابلتك يوماً

في فلورنسا

أو قرطبة

أو في الكوفة

أو في حلب

أو في بيت من حارات الشام

يا سيدتي

كم أتمنى لو سافرنا

نحو بلاد يحكمها الغيتار

حيث الحب بلا أسوار

والكلمات بلا قيود

والأحلام بلا عراقيل

يا سيدتي

لا تشغلي بالك بالمستقبل

سوف يظل حنيني أقوى مما كان

وأعنف مما كان

أنتِ امرأة لا تتكرر في تاريخ الورد

وفي تاريخ الشعر

وفي ذاكرة الزنبق والريحان

يا سيدة العالم

لا يشغلني سوى حبك في الأيام القادمة

أنتِ امرأتي الأولى

أمي الأولى

رحمي الأول

شغفي الأول

شبقي الأول

طوق نجاتي في زمن الطوفان

يا سيدتي

يا سيدة الشعر الأولى

هاتي يدك اليمنى لآوي إليها

هاتي يدك اليسرى

كي أستوطن فيها

قولي أي عبارة حب

حتى تبدأ الأعياد

الحب يا حبيبتي

يقول نزار قباني في قصيدته “الحب يا حبيبتي”:

الحب يا حبيبتي

قصيدة جميلة مكتوبة على القمر

الحب مرسوم على جميع أوراق الشجر

الحب منقوش على

ريش العصافير وحبات المطر

لكن أي امرأة في بلدي

إذا أحبت رجلاً

ترمى بخمسين حجر

Scroll to Top