قصيدة: نقطة ضعفي
كتب مانع سعيد العتيبة:
لأن التسامح هو نقطة ضعفي،
فما زلت تحظى بودّي ولطفّي.
وما زلت تطعنني في كل يوم،
فلا يتصدى لطعنك سيفي.
أداوي جراحي بصبري الجميل،
فلا القلب يسوى ولا الصبر يشفى.
وأسأل ما سرّ هذا الثبات،
على عهد حبي فيشرح نزفي.
لو أكِنْتَ يا شقائي الضيف،
رحيمًا غفورًا لأشقاك عنفي.
فلا تتخيل بأنك أقوى،
وأني صبور على الرغم من أنفي.
أنا هو بأس العواصف فأفهم،
لماذا أصونك من هوى عنفي.
لأنك لا تستطيع الصمود،
إذا غاب عنك حناني وعطفّي.
قصيدة: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
كتب امرؤ القيس:
قفَا نبك من ذكرى حبيب ومنزل،
بسِقط اللوى بين الدخُول فَحَوْمَلِ.
فتوضح فالمِقْرَاةِ لم يعفُ رسمُها،
لما نسجته من جنوب وشمألِ.
ترى بعَر الأرْلام في عَرَصَاتِهَا،
وقيعانها كأنه حب فُلْفُلِ.
كأني غداة البين يوم تحمَّلوا،
لدَى سُمرَاتِ الحي نَاقِفُ حَنْظَلِ.
ووقوفًا بها صحبي عليَّ مطيّهم،
يقولون لا تهلك أسى وتجمّلِ.
وإن شفائي عبرةٌ مهراقة،
فهل عند رسم دَارسٍ من معول.
كدأبك من أم الحويرث قبلها،
وجارتها أم الرباب بمأثلِ.
ففاضت دموع العين منّي صبابةً،
على النحر حتى بلّ دمعي محملي.
ألا ربّ يومٍ لك منهن صالحٌ،
ولا سِيما يوم بدار جلجُلِ.
ويوم عَقَرتُ للعَذَارَى مطيتي،
فيا عجباً من رحلها المتحمّلِ.
يظل العَذَارَى يرتمين بِلحْمِها،
وشحمٍ كهدّاب الدِّمَقْسِ المٌفتلِ.
ويوم دخلتُ الخِدْرَ خِدر عُنَيْزَةٍ،
فقالت لك الويلات إنّك مُرجلي.
تقول وقد مال الغبيط بنا معًا،
عَقَرْتَ بعيري يا امرؤ القيس فأنزلي.
فقلت لها سيري وأرخِي زِمامها،
ولا تبعديني من جنَاكِ المعلل.
فمثلك حبلى قد طرقت مُرْضعًا،
فألهيتها عن ذي تمائم مُغيّلِ.
إذا ما بكَى من خلفها انحرفت له،
بِشقٍ وشقٍ عندنا لم يُحوّلِ.
ويومًا على ظهر الكثيب تعذّرت،
علي وآلت حلفًة لم تحلّلِ.
أفاطم مهلًا بعض هذا التّدّلُلِ،
وإن كنت قد أزمعت صَرمي فأجملي.
قصيدة: نالت على يدها ما لم تنله يدي
كتب الوأواء الدمشقي:
نالت على يدها ما لم تنله يدي،
نقشًا على معصم أوهت به جلدي.
كأنه طرق نمل في أناملها،
أو روضةٌ رصّعتها السحب بالبردِ.
كأنّها خشيت من نبل مُقلتها،
فألبست زَنْدَها درعًا من الزرَدِ.
مدّت مواشِطها في كفّها شَرَكًا،
تصيد قلبي به من داخل الجسدِ.
وقوس حاجبها من كل ناحية،
ونبل مُقلتها ترمي به كبدي.
وعقربُ الصُّدغ قد بانت زُبانتُهُ،
وناعس الطرف يقظانٌ على رصدِي.
إن كان في جلِّنار الخدّ من عجبٍ،
فالصدر يطرح رُمّانًا لمن يردِ.
وخصرها نحيلٌ مثلي على كفَلٍ،
مرجرجٌ قد حكى الأحزان في الخَلَدِ.
إنسيةٌ لو بدت للشمس ما طلعت،
من بعد رؤيتي يومًا على أحدِ.
سألتها الوصلَ قالت أنت تعرفنا،
من رام منّا وصالًا مات بالكَمَدِ.
وكم قتيلٍ لنا في الحب مات جوًى،
من الغرام ولم يُبدِء ولم يُعِدِ.
فقلت أستغفر الرحمن من زلَلٍ،
إنّ المحب قليل الصبر والجَلَدِ.
قالت وقد فتكت فينا لوَاحظُها،
ما إن أرى لقتيل الحب من قَوَدِ.
قد خلفتني طريحًا وهي قائلةٌ،
تأملوا كيف فعلُ الظّبْيِ بالأَسَدِ.
قالت لطيفِ خيالٍ زارني ومضى،
بالله صفه ولا تنقص ولا تزدِ.
فقال أبصَرْته لو مات مِن ظمأ،
وقلت قف عن ورود الماء لم يردِ.
قالت صدقت الوفا في الحب عادته،
يا برد ذاك الذي قالت على كبدي.
واسترجعت سألت عنّي فقيل لها،
ما فيه من رمق دقّت يدًا بيدِ.
وأمطرت لؤلؤًا من نرجس وسقت،
وردًا وعضّت على العناب بالبردِ.
وأنشدت بلسان الحال قائلةً،
من غير كرهٍ ولا مطلٍ ولا جلدِ.
والله ما حزنت أخت لفقد أخٍ،
حُزني عليه ولا أمٌّ على ولدِ.
فأسرعت وأتت تجري على عجلٍ،
فعند رؤيتها لم أستطع جلدِي.
وجرعتني برفقٍ من مَراشفها،
فعادت الروح بعد الموت في جسدي.
هم يحسدوني على موتي فوا أسفي،
حتى على الموت لا أخلو من الحسدِ.
قصيدة: الرحيل
كتب مانع العتيبة:
لماذا جئت تطلب أن أضحي،
وأنسى ما جنيت ونزف جرحِي؟
أمّا كنا انتهينا وارتضينا،
وسرنا للنهاية دون نوحٍ.
وأعلنا غروب الودّ فينا،
بلا إبداء أسباب وشرح.
لماذا عدت تطرق من جديدٍ،
على بابٍ سيبقى دون فتحٍ؟
أُجئْتُ مواسيًا أم يا صديقي،
يهمّكَ أن ترى آثار ذبحي؟
نعم إني الذبيح وأنت مثلي،
تقاسي نار جرحٍ ذات لفحٍ.
وإن أنكرت ذلك ليس يجدي،
ففي عينيك ما ينبئ ويُوحِي.
وفي عيني حزن لو تبدّى،
لِحلِّ الليل عند شروق صبحٍ.
لماذا عدت تنفخ في رمادي،
وجمرًا نائمًا فيه تُصحّي؟
مُحالٌ أن نعود إلى التصافي،
ولو حتى بدأنا عهد صلحٍ.
تكسرّت الصداقة في يدينا،
فويحك ما فعلت بها وويلِ.
لماذا عدت؟ تسألنا دموعًا،
تحاول أن تقاوم أيّ مسحٍ.
لماذا عدت بعد الموت تسعى،
لإحيائي بورد دون روحٍ؟
أنا أغْلَقْتُ دونكَ باب قلبي،
وسلّمت النوى مفتاح صفحي.
فلا تقرع على أبواب ماضي،
قبضة نادم إن شئت نصحّي.
مضى عنّا زمان الود حتى،
تحول حسنه فينا لقبحٍ.
وليس يفيدني منك اعتذارًا،
ولا يجد التراجع والتنحي.
ولست مُبدّلًا حبي بكرهٍ،
ولا عزّ الجبال بذل سَفْحٍ.
معاركنا انتهت أفلا تراني،
رميتُ مهنددي وكسرْتُ رُمْحِي؟