قصائد من الشعر العربي

قصيدة نبكي الشباب

يقول الشاعر ابن الرومي:

نبكي الشباب لحاجات النساء، ولدي

فيه مآرب أخرى سأبكيها.

أبكي الشباب لرواق كان يسرني

عندما كانت عيني ترى ملامحها.

ما كان أعظم عندي قدر نعمته

لنفسه وليس للخويد القريبة.

كانت لعيني قرة عجب

أقل من العيون اللواتي كانوا يرونها.

ما كان أكثر إعجاب النساء به

فالنفس أوجب إعجابًا بما فيها.

كم كان يدهشني من عين تتوق له

وكان يأخذ من أخرى تبكيها.

كم كان يجلو قذى عينٍ بروعته

حتى إذا جال فيها عاد يقذّيها.

تغدو النساء فترميه بأعيُنها

فبالسهام التي فوقهن يرميها.

يثني عليهن نبلاً ظن مرسله

أن ليس شيئٌ في الوجود يثنيها.

أبكي الشباب للذّات القنّاص إذا

ثقلت عنها وغادتها مغاديها.

هناك لا تجدي ميعة الشبان ترغّبني

ولا النفس عن طوع تخلّيها.

فإن غدوتُ فعن نفسٍ مكلّفةٍ

مثل الحسير، تُزجّيها مزّجيها.

أبكي الشباب للذات الشموليّة إذا

غنّى القيان وحثّ الكأس ساقيها.

هناك لا أنا مرتاحٌ فأشربها

ولا أخو سلوةٍ عنّها فساليها.

كم زفرةٍ لي ملء الصدر حينئذٍ

عن حسرةٍ في ضمير القلب أطويها.

أبكي الشباب لنفس كان يسعفها

بكل ما حاولته من ملاهيها.

أبكي الشباب لآمالٍ فُجعت بها

كانت لنفسي أنسًا في معانيها.

أبكي الشباب لنفس لا ترى خلفًا

منه ولا عوضًا مذ كان يُرضيها.

أبكي الشباب لعينٍ كَلّت ناظرها

بعد الثقوب وحار القصد هاديها.

عينٌ عهدت لها نبلاً مُفوّقاً

تُصمِي وتُنمي فأشوى الآن راميها.

أبكي الشباب لأذن كان مسمعها

وقد يُجاب على بعدٍ مناديها.

أذنٌ وإن هي كَلَت ما عهدتُ بها

وقرًا سوى وقْرها عن لومِ لاحيها.

أبكي الشباب لكفٍّ منحت ساعِدها

وقد تردَّ وتلوّي كفَّ لاويها.

كفٌّ عهدت ثمار اللهو دانيةً

منها فقد قلصت عنها مجانيها.

كان الشباب وقلبي منه منغمسٌ

في فرجةٍ لست أدري ما دواعيها.

روحٌ على النفس منه كان يُبردها

برْدَ النسيم ولا ينفك يُحييها.

كأن نفسي كانت منه سارحةً

في روضةٍ بات ساقي المزن ساقيها.

كأن نفسي كانت منه يَفْعَمُها

نسيمٌ راحٍ وريحانٌ يُحَيِّيها.

كأن نفسي كانت منه لاقيةً

في كل حالٍ يدي حبٍّ يُعطيها.

من مات ماتت كما قيل حاجته

إلا الشباب وحاجاتٍ يُبقيها.

يمضي الشباب ويُبقي من لُبانته

شجواً على النفس يشجوها ويُشجيها.

ليت اللبانة كانت تنقضي معه

أو كان يبقى ويظل الدهر باقيها.

كلا ولكنه يمضي وقد بقيتْ

في النفس منه بقيّات تعنيها.

وإن أبرحَ ما استودعتهُ خلداً

لبانةٌ لك لا تستطيعُ تقضيها.

وكانت النفس ينهاها إذا غويتْ

ناهٍ سواها فمنها الآن ناهيها.

قصيدة وا حرّ قلباه

يقول الشاعر المتنبي:

واحَرّ قلباه ممن قلبه شبِمُ

ومن بجسمي وحالي عنده سَقَمُ

ما لي أُكَتِّمُ حبًّا قد برى جسدي

وتدعي حب سيف الدولة الأممُ

إن كان يجمعنا حبٌّ لغرته

فليت أننا بقدر الحب نقتسمُ

قد زرتُهُ وسيوف الهند مغمدةٌ

وقد نظرتُ إليه والسيوف دَمُ

فكان أحسن خلق الله كلهمِ

وكان أحسن ما في الأحسن الشيمُ

فوتُ العدو الذي يممته ظفرٌ

في طيه أسفٌ في طيه نعمُ

قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعتْ

لك المهابة ما لا تصنع البهُمُ

ألزمتَ نفسك شيئًا ليس يلزمها

أن لا يوارى فيهم أرضٌ ولا علمُ

أكلما رُمتَ جيشًا فانثنى هربًا

تصرفت بك في آثارهم الهممُ

عليك هزمتهم في كل معتركٍ

وما عليك بهم عارٌ إذا انهزموا

أما ترى ظفراً حلوًًا سوى ظفرٍ

تصافحت فيه بيض الهند واللِممُ

يا أعدل الناس إلا في معاملتي

فيك الخصام وأنت الخصم والحكمُ

أُعِيذُهَا نظراتٍ منك صادقةً

أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورمُ

وما انتفاع أخي الدنيا بناظره

إذا استوت عنده الأنوار والظُلمُ

سَيعلَمُ الجمع ممن ضمّ مجلسنا

بأنني خيرُ من تسعى به قدَمُ

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

وأسْمَعَتْ كلماتي من به صممُ

أنام ملء جفونٍ عن شوارده

ويسهر الخلق جراها ويختصمُ

وجاهلٍ مدّه في جهله ضحكي

حتى أتته يدٌ فراسةٌ وفمُ

إذا رأيتَ نُيوبَ اللّيث بارزةً

فلا تظنّن أن اللّيثَ يبتسمُ

ومهجتي مهجتي من همّ صاحبها

أدركتها بجوادٍ ظهره حرَمُ

رِجلاهُ في الركض رِجلٌ واليدانِ يدٌ

وفعله ما تريد الكفُّ والقَدَمُ

ومُرْهَفٍ سِرتُ بينَ الجحفلينِ به

حتى ضربتُ وموجُ الموت يَلْطِمُ

ألخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني

والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ

صحبتُ في الفلوات الوحشَ منفردًا

حتى تعجّبَ مني القُورُ والأكمُ

يا من يَعزّ علينا أن نفارِقَهُم

وجدانا كل شيء بعدكم عدمُ

ما كان أخلقَنا منكم بتكرمةٍ

لو كان أمركم من أمرنا أَمَمُ

إن كان سركم ما قال حاسدنا

فما لجُرحٍ إذا أرضاكم ألمُ

وبيننا لو رَعيتم ذاك معرفةٌ

إن المعارفَ في أهل النّهى ذممُ

كم تطلبون لنا عيبًا فيُعجزكمْ

ويكرِه الله ما تأتون والكرمُ

ما أبعدَ العيبَ والنقصانَ من شَرَفي

أنا الثريّا وهذان الشيبُ والهرمُ

ليت الغمامَ الذي عندي صواعقهُ

يزيلهنّ إلى من عنده الديمُ

أرى النوى يقتضيني كل مرحةٍ

لا تستقلّ بها الوخّادةُ الرسُمُ

لئن تركنَ ضميرًا عن ميميننا

لَيحدثَنَّ لمن ودعتُهُم ندمُ

إذا ترحلتَ عن قومٍ وقد قدروا

أن لا تُفارِقَهُم فالرّاحلونَ همُ

شرّ البلاد مكانٌ لا صديقَ به

وشَرّ ما يكسب الإنسان ما يَصِمُ

وشَرُّ ما قنصتْهُ راحتُه قنصٌ

شهبُ البزاة سواءٌ فيهِ والرّخمُ

بأيّ لفظٍ تقول الشعرَ زعنفَةٌ

تجوز عندكَ لا عُربٌ ولا عَجَمُ

هذا عتابكَ إلا أنه مقّةٌ

قد ضُمّ الكرمُ إلا أنه كَلِمُ

قصيدة أبت عبراته إلا انسكاباً

يقول الشاعر أبو العلاء المعري:

أبت عبراته إلا انسكابا

ونار غرامه إلا التهابا

ومن حق الطلول عليّ أ لا

أغيبّ من الدموع لها سحاباً

وما قصّرت في تسآل ربعٍ

ولكنّي سألت فما أجابا

رأيت الشيب لاحَ فقلت أهلاً

وودّعت الغواية والشبابا

وما إن شِبت من كِبرٍ ولكن

رأيت من الأحبّة ما أَشَابا

بعثن من الهموم إليّ ركباً

وصيّرن الصدود لها رِكابا

ألم تَرَنا أعزّ الناس جاراً

وأمرعُهم وأمنعُهم جنابا

لنا الجبل المطلّ على نزارٍ

حللنا النجد منه والهضابا

تفضّلنا الأنام ولا تُحاشي

ونُوصف بالجَميل ولا نُحابي

وقد علمت ربيعّة بل نزارٌ

بأنا الرأسُ والناسُ الذُنابى

ولمّا أن طغت سُفَهاء كعبٍ

فتحنا بيننا للحرب بابا

منحناها الحَرائِبَ غير أننا

إذا جارَت منحناها الحِرابا

ولمّا ثارَ سَيفُ الدينِ ثُرنا

كما هيّجتَ آساداً غِضابا

أسِنَّتُهُ إذا لاقى طعاناً

صوّارمُه إذا لاقى ضِرابا

دعانا والأَسِنّة مشرعاتٌ

فكُنّا عند دعوته الجوابا

صنائعٌ فاق صانِعُها فَفاقَت

وغرسٌ طاب غارسه فطابا

وكُنّا كالسهام إذا أصابت

مراميها ففراميها أصابا

قطعن إلى الجبار بنا معاناً

ونكّبن الصبيرة والقِبابا

وجاوزن البدِيّة صادياتٍ

يلاحظنَ السرابَ ولا سَرابا

عبرنَ بمَاسحٍ والليلُ طِفلٌ

وجئنَ إلى سلمية حين شابا

وقاد ندي بن جعفر من عقيلٍ

شعوباً قد أسال بها الشِعابا

فما شعروا بها إلا ثباتاً

دوّين الشد تَصطَخِبُ اصطخابا

تناهَبن الثناء بصبر يومٍ

به الأرواح تُنتهَب انتهابا

تَنادوا فانبَرت من كل فجٍ

سوابِقُ يُنتَجَبنَ لنا انتجابا

فما كانوا لنا إلا أسارى

وما كانت لنا إلا نِهابا

كأن ندي بن جعفر قاد منهم

هدايا لم يُرِغ عنها ثوابا

وشدّوا رأيهم ببني قريعٍ

فخابوا لا أبا لهم وخابا

وسقناهم إلى الحيران سوقاً

كما نستاقُ آبالاً صِعابا

سقينا بالرماح بني قشيرٍ

ببطن العُثيَر السُمَّ المُذابا

فلما اشتدّت الهَيَجاء كنا

أشدّ مخالِباً وأحدَّ نابا

وأمنع جانباً وأعز جاراً

وأوفى ذمّةً وأقلّ عابا

ونكبّنا الفُرُقلُسَ لم نرِدهُ

كأنّا بنا عن الماء اجتِنابا

وأمطَرن الجباهَ بمُرجَحِنَ

ولكن بالطّعان المُرِّ صابا

وجُزنَ الصَحصَحان يَخدنَ وَخداً

ويجتنبنَ الفلاةَ بنا اجتِبَابا

ومِلْنَ عن الغُوَير وسِرنَ حتى

وردنَ عُيونَ تَدمُرَ والجِبابا

قرَينا بالسماوة من عقيلٍ

سباعَ الأرض والطير السَّغابا

وبالصبّاح والصبّاح عبدٌ

قتَلنا من لُبابِهِم اللُبابا

ترَكنا في بيوت بني المُهَنّا

نوادبَ ينحتِبنَ بها انتِحَابا

شفت فيها بنو بكرٍ حُقوداً

وغادرت الضبابَ بها ضبابا

وأبعدنا لسوء الفعل كعباً

وأدنينا لطاعتها كلابا

وشردنا إلى الجولان طيئاً

وجنّبنا سماوتها جنابا

سحابٌ ما أناخ على عقيلٍ

وجرَّ على جوارهم ذُبابا

ومِلْنا بالخُيول إلى نميرٍ

تُجاذبنا أعِنَّتها جذابا

بكل مُشيِّعٍ سَمْحٍ بنفسٍ

يعزُّ على العشيرة أن يُصابا

وما ضاقت مذاهبه ولكن

يُهابُ من الحميَة أن يهابَ

ويأمُرَنا فنكفيهِ الأعداء

همامٌ لو يشاء كفى ونابا

فلما أيقنوا أن لا غياثٌ

دعوه للمغوثة فاستجابا

وعاد إلى الجليل لهم فعادوا

وقد مدوا لصارمه الرقابا

أمرّ عليهم خوفاً وأمناً

أذاقهمُ به أرياً وصابا

أحلّهم الجزيرةَ بعد يأسٍ

أخو حلمٍ إذا ملك العقابا

ديارهم انتزعناها انتزاعاً

وأرضهم اغتَصَبناها اغتصابا

ولو شاءَ حميناها البوادي

كما تحمي أسود الغاب غابا

إذا ما أنهضَ الأمراءُ جيشًا

إلى الأعداء أنفذنا كتابا

أنا ابن الضاربين الهام قِدماً

إذا كره المحامون الضّربا

ألم تعلم ومثلُكَ قال حقاً

بأني كنت أثقبها شِهابا

قصيدة يسلم المرء أخوه

يقول الشاعر أبو العتاهية:

يسلم المرء أخوه

للمنايا وأبوه

وأبو الأبناء لا يبقى

ولا يبقى بنوه

ربّ مذكور لقومٍ

غاب عنهم فنَسوه

وإذا أفنى سنين

المرء أفنته سنون

وكأن بالمـرء قد يب

كي عليه أقرَبوه

وكأن القوم قد قاموا

فقالوا أدرِكوه

سائلوه كلّموه

حرّكوه لَقّنوه

فإذا استيأَسَ منه القومُ قالوا حرّفوه

حرّفوه وجِّهوه

مدّوه غمّضوه

عجّلوا لرحيلٍ

عجّلوا لا تَحبسوه

ارفَعوه غسِّلُوه

كَفِّنوه حنِّطوه

فإذا ما لُفَّ في الأكَفانِ قالوا فاحملوه

أخرِجوه فوق أعواد المنايا شيّعوه

فإذا صلّوا عليه

قيلَ هاتوا واقبِروه

فإذا ما استودعوه الأرضَ رهناً تركوه

خلّفوه تحت ردمٍ

أوقَروه أثقلوه

أبعدوه أَسحَقوه

أوحَدوه أفرَدوه

ودّعوه فارَقوه

أسلَموه خلّفوه

وانثَنوا عنه وخلّوه كأن لم يعرفوه

وكأن القومَ فيما

كان فيه لم يلوه

ابتنى الناس من البُن

يان ما لم يسكنوه

جمع الناس من الأم

وال ما لم يأكلوه

طلب الناس من الآ

مال ما لم يُدركوه

كلّ من لم يجعل الناس إماماً تركوه

ظعن الموتى إلى ما قدّموه وجدوه

طاب عيش القوم ما كان إذا القوم رضوه

عِش بما شئتَ فمن تَسرَه دُنياه تسوه

وإذا لم يُكرم الناسَ امرؤٌ لم يُكرِموه

كلّ من لم يحتج الناسَ إليه صغّروه

وإلى من رغب الناسُ إليه أكبروه

من تصدى لأخيه

بالغنى فهو أخوه

فهو إن ينظر إليه

يرءَ منه ما يسوه

يُكرم المرء وإن أملقَ أقصاه بنوه

لو رأى الناس نبيّاً سائلاً ما وصلوه

وهم لو طمعوا في زادي كلبٍ أكلوه

لا تراني آخر الدهرِ بتسآلٍ أفوهُ

إنّ من يسأل سوى الرحمَنِ يكثر حارِموه

والذي قام بأرزاق الورى طُرّاً سلُوه

وعن الناسِ بفضل الله فاغنوا واحمدوه

تلبسوا أثواب عزّ

فاسمعوا قولي وعوه

إنما يُعرَفُ بالفضل مَن الناس ذوهُ

أفضَلُ المعروف ما لم تُبتذل فيه الوجوهُ

أنتَ ما استغنيتَ عن صاحبك الدهرَ أخوه

فإذا احتجتَ إليه ساعةً مجّكَ فوهُ

قصيدة صوت صفير البلبل

يقول الأصمعي:

صوتُ صفير البلبُلِ

هيّجَ قلبي التململِ

الماءُ والزهَرُ معاً

مع زهر لحظ المقَلِ

وأنتَ يا سيدَ لي

وسيدي ومولى لي

فكم فكم تَيَمَّنِي

غُزيِّلٌ عقيقلي

قطّفتهُ من وجنةٍ

من لثم ورد الخجلِ

فقالَ لا لا لا لا لا

وقد غدا مُهرولِ

والخُوذُ مالَت طرباً

من فعل هذا الرجلِ

فَوَلوَلَت ووَلوَلَت

ولَي وَلِي يا وَيل لي

فقلتُ لا تُوَلوِلي

وبيّني اللؤلؤ لَي

قالت لهُ حين كِذا

انهض وجّد بالنقلِ

وفتيةٍ سَقَوْنَني

قهوةً كالعسل لي

شممتُها بأنفي

أزكى من القرنفلِ

في وسط بستانٍ حُلِي

بالزهرِ والسرورُ لي

والعودُ دندَنَ دنا لِي

والطبلُ ططبّط طابَ لي

طَب طَبِطَب طَبّ طَبَطَب

طَب طَبَطَب طَبْطَبَلِي

والسقفُ سَق سَق سَق لِي

والرقصُ قد طالَ لِي

شوى شوى وشاهشُ

على حِمار أَهزَلِ

يمشي على ثلاثٍ

كَمَشيةِ العَرَنجِلِ

والناسِ تَرجم جَمَلِي

في السوق بالقُلقُلَلِ

والكُلُّ كَعكَع كَعِكَع

خَلْفِي ومن حُوَيلِي

لكِن مشيتُ هارباً

من خشية العَقَنْقِلِي

إلى لقاء ملكٍ

مُعَظَّمٍ مُبَجَّلِ

يأمُر لي بخَلعةٍ

حمراء كالدّم دَمَلي

أجُرُّ فيها ماشياً

مُبَغدِداً للذيلِ

أنا الأديبُ الأملَعِي

من حيِّ أرض المُوصِلِ

نظمتُ قِطَعا زُخرفَت

يَعجزُ عَنهَا الأدبُ لِي

أقولُ في مَطلَعِها

صوتُ صفير البلبُلِ

قصيدة لأي حبيب

يقول أبو تمام:

لأي حبيبٍ يحسنُ الرأي والوّدُ

وأكثر هذا الناسِ ليس له عهدُ

أرى ذمي الأيام ما لا يضرُّها

فهَل دافِعٌ عنّي نوائِبَها الحَمدُ

وما هذه الدنيا لنا بمُطيعَةٍ

وليس لخلقٍ من مُداراتها بُدُ

تحوزُ المَعالي والعبيد لعاجزٍ

ويخدمُ فيها نفسَه البطل الفردُ

أكلّ قريب لي بعيدٌ بودّهِ

وكلُّ صديقٍ بينَ أضلعِهِ حقدُ

ولله قلبٌ لا يبلّل غليلَهُ

وصالٌ ولا يُلهيه عن خِلّهِ وعدُ

يكَلّفُني أَن أطلُب العزّ بالمُنى

وأين العُلَى إن لم يُساعدني الجَدُّ

أحنُّ وما أهوىٰ رُمحٌ وصارمٌ

وسابغةٌ زُعفٌ وذو مَيعَةٍ نهدُ

فيا لي مِن قلبٍ مُعَنّىً بِهِ الحَشا

ويا لي مِن دمعٍ قريحٍ بِهِ الخَدُ

أريدُ من الأيام كلّ عَظيمةٍ

وما بين أضلاعي لها أَسَدٌ وَردُ

وليس فتىً مَن عاق عن حمل سيفهِ

إِسارٌ وحَلّاه عن الطلبِ القِدُدُ

إذا كانَ لا يَمضي الحُسامُ بنفسهِ

فَلِلضّاربِ الماضي بقائمِهِ الحدُّ

وحَوليَ من هذا الأنامِ عصابةٌ

تَوَدّددها يَخفى وأَضغانُها تَبدو

يَسُرُّ الفتى دهرٌ وقد كانَ ساءَهُ

وتَخدمُهُ الأيامُ وهوَ لها عَبدُ

ولا مالَ إلا ما كَسَبتَ بنيلِهِ

ثَناءً ولا مالٌ لِمَن لا له مَجدُ

وما العيشُ إلا أَن تُصاحبَ فتيَةً

طَواعِنَ لا يَعنيهِم النحسُ والسعدُ

إذا طَرِبوا يوماً إلى العزِّ شَمَّروا

وإن نُدِبوا يوماً إلى غارَةٍ جَدّوا

وكم لي في يوم الثويّة رقدةٌ

يُضاجعني فيها المهَندُ والغمدُ

إذا طَلبَ الأعداءُ إثري بِبلدةٍ

نجوتُ وقَد غَطّى على أثَري البردُ

ولو شاءَ رُمحي سَدَّ كلَّ ثنيَةٍ

تُطالِعني فيها المغوّيرُ والجُردُ

نَصلنا على الأكوارِ مِن عَجزِ لَيلَةٍ

تَرامى بِنا في صدرها القورُ والوهدُ

طردنا إليها خُفَّ كلّ نَجيبَةٍ

عليها غُلامٌ لا يُمارِسُهُ الوَجدُ

ودسنا بأيدي العيس ليلاً كأنّما

تشابه في ظلامهِ الشيبُ والمردُ

ألا لَيتَ شِعري هل تُبَلِّغُني المنى

وتلقى بِيَ الأعداءَ أحصِنةٌ جُردُ

جِيادٌ وقد سَدَّ الغُبار فُروجَها

تروحُ إلى طَعنِ القبائلِ أو تَغدو

خفافٌ على إِثر الطريدةِ في الفَلا

إذا ما جَتِ الرمضاءُ واختلطَ الطردُ

كَأنّ نُجومَ اللّيلِ تحت سُروجِها

تَهاوى على الظلماءِ والليلُ مُسوّدُ

يُعيدُ عليها الطعنَ كلُّ ابنِ همّةٍ

كَأَنَّ دَمَ الأعداءِ في فمِهِ شَهدُ

يُضاربُ حتى ما لصارِمِهِ قوىً

ويطعنُ حتى ما لذابِلِهِ جَهدُ

تَغربَ لا مُستحِقِباً غير قوتِهِ

ولا قائلاً إلا لما يهبُ المجدُ

ولا خائفاً إلا جَريرَةَ رمحِهِ

ولا طالباً إلا الذي تطلبُ الأُسدُ

إذا عربيٌّ لم يكن مثلَ سيفِهِ

مَضاءً على الأعداءِ أنكرَهُ الجَدُّ

وما ضاق عنه كل شرقٍ ومغرِبٍ

من الأرضِ إلا ضاق عن نفسِهِ الجِلْدُ

إذا قلّ مالُ المرءِ قلَّ صديقُهُ

وفارَقهُ ذاكَ التحنّنُ والوَدُ

أصبحَ يُغضي الطّرفَ عن كلّ مَنظرٍ

أنيقٍ ويُلهيهِ التغرّبُ والبعدُ

فما لي وللأيامِ أَرضى بجورها

وتعلمُ أنّي لا جَبانٌ ولا وَغدُ

تغاضى عُيونُ الناسِ عنّي مهابَةً

كما تتّقي شمسَ الضُحى الأعيُنُ الرُمُدُ

تخطّت بي الكُثبانَ جَرداء شَطبةٌ

فلا الرعيُ دانٍ من خُطاها ولا الوِردُ

تُدافعُ رِجلاها يديها عن الفَلا

إلى حيث يُنمى العِزوُ والجدُّ والجدُ

فجاءتكَ ورهاءَ العِنانِ بفارسٍ

تَلَفَّتَ حتى غابَ عن عَيْنَيْهِ نَجدُ

ومثلُكَ من لا تُوحِشُ الرّكبَ دارُهُ

ولا نازِلٌ عنْها إذا نَزَلَ الوفدُ

فيا آخذاً من مجده ما استحقّهُ

نَصيبكَ هذا العزّ والحسبُ العِدُّ

أبٌ أنتَ أعلى منه في الفضل والعُلى

وأمضَ يدًا والنارُ والِدُها زَندُ

وما عارضٌ عنوانه البيض والقَنا

أخو عارضٍ عنوانه البرق والرعدُ

وكم لكَ في صدْر العدو مَرَشّةٌ

يُخَضِّبُ منه الرمحُ مُنبَعِقٌ وردُ

وفوق شواة الذِمر ضربة ثائرٍ

يَكادُ له السيفُ اليَمانيُّ يَنقَدُ

يَوَدّ رجالٌ أنني كنت مُفحَماً

ولولا خِصامي لم يَوَدّوا الذي وَدّوا

مَدَحتُهُم فاستقبَحَ القول فيهِمُ

ألا رُبَّ عُنقٍ لا يليقُ به عِقدُ

زهدتُ وزُهدي في الحياة لعِلّةٍ

وحُجَّةُ مَن لا يبلُغُ الأمل الزُهدُ

وهانَ على قَلبي الزمانُ وأهلُهُ

ووجدانا والموتُ يطلُبُنا فقدُ

وأرضى من الأيام أن لا تُميتَني

وبي دونَ أقراني نوائِبُها النُكدُ

Scroll to Top