أفضل قصائد العتاب للشاعر نزار قباني

نفاق

لقد حان الوقت لوضع حد لهذا النفاق!

ما جدوى كل هذا اللقاء؟

وقد انتهينا فعلياً

وكل القصص التي سردناها

هي نفاق من نوعٍ ما..

نفاقٌ..

نفاقٌ..

يكفينا.

إنها الساعة الأولى..

أين الحقيبة؟

هل تسمع؟ أين وضعت الحقيبة؟

نعم، إنها تشير إلى الواحدة.

بينما نستمر في تكرار الحكايات القديمة

بلا فائدة.

لنُعترف الآن بأننا لم نُحسن العمل

ولم يتبقَ منا

سوى نظراتٍ شاردة

انحسر فيها النور

وفي أعيننا الفراغ

تصلب فيها الإخلاص.

يكفينا..

نُحدق في بعضنا بحماقة

ونناقش الوفاء والأصدقاء

ونعتقد أن السماء

قد ظلمتنا..

بينما نحن بأنفسنا

دفنَّا الوفاء

وبعنا ضمائرنا لدخول شتاء.

وها نحن نجلس كالأصدقاء

لكننا لسنا حبيبين.. ولسنا رفاقاً.

نُعيد أجوبة رسائلنا القديمة

ونضحك على سطور النفاق..

هل كتبنا كل هذا النفاق؟

بدون تفكير.. أو عاطفة.

يكفينا من هذا الهراء.

أين الحقيبة؟.. أين الرداء؟..

لقد اقتربت اللحظة الفاصلة

وسرعان ما ستمحو المساء

فصول علاقتنا الفاشلة.

يوميات امرأة

لماذا في مدينتنا نعيش الحب تهريباً وتزويراً؟

نسرق من شقوق الأبواب مواعيدنا

ونستعطف الرسائل

والمشاوير..

لماذا في مدينتنا تُصادَ العواطف والعصافير؟

لماذا نحن أقرب إلى القصدير؟

وما يبقى من الإنسان

عندما يصبح قصديراً؟

لماذا نحن مزدوجون

في المشاعر والتفكير؟

لماذا نحن ماديون..

نخشى الشمس والنور؟

لماذا أهل بلدتنا؟

يمزقهم تناقضهم

ففي ساعات يقظتهم

يسبون الضفائر والتنانير

وعندما يأتي الليل

يحتضنون الصور.

أسأل نفسي دوماً

لماذا لا يكون الحب في الدنيا

لكل الناس

مثل أشعة الفجر؟

لماذا لا يكون الحب مثل الخبز والنبيذ؟

ومثل الماء في الأنهار

ومثل الغيم، والمطر،

والأعشاب والزهور؟

أليس الحب للإنسان

حياة داخل الحياة؟

لماذا لا يكون الحب في بلدي

طبيعياً

مثل التلاقي بين الشفتين؟

وليساب بشكل ينساب

مثل شعري على ظهري؟

لماذا لا يحب الناس في لين ويسر

كما الأسماك في البحر

وكالأقمار التي تسير في فلكها؟

لماذا لا يكون الحب في بلدي ضرورياً

كديوانٍ من الشعر؟

لا تحبيني

هذا الهوى..

لم يعد يجذبني!

فلتستريحي ولترتاحي مني..

إذا كان حبكِ.. في تقلبه

لا يُشبه ما رأيتُ..

فلا تحبّيني..

حبي..

هو كل شيء في حياتي

أما هواكِ، فلا يعنيني.

أحزاني الصغيرة تتعانق معي

إن لم تزوريني.

ما يهمني

ما تشعرين به..

إن اعتقادي فيك يكفيني..

فالحبّ.

يظل وهماً في عقولنا

كالعطر في حدائق الزهر..

عيناكِ.

من حزني قد خلقتيها

ما أنتِ؟

ما عيناكِ؟ من دوني

ففمكِ الصغير

أدرتُهُ بيدي

وزرعتُهُ أشجاراً من الليمون..

حتى جمالكّ

لم يعد يبهجني

إذا غاب عني لفترة..

فالشوق يفتح ألف نافذةٍ

خضراء..

عن عينيك تغنيني

لا فرق عندي، يا معذبتي

أحببتني. أم لم تحبيني..

أنتِ تستريحين من هواي..

لكنني سألتك..

لا تريحيني..

من يوميات تلميذ راسب

ما هو المطلوب مني؟

ما هو المطلوب بالتحديد مني؟

لقد أنفقت حياتي في مدرسة الحب

وطوال الليل.. قرأت واستذكرت..

وأكملت جميع الواجبات..

كل ما يمكنني فعله في أروقة الحب

قد فعلته..

كل ما يمكنني حفره في خشب الورد

قد حفرت..

كل ما يمكنني رسمه..

من حروف ونقاط ودائريات..

قد رسمته..

فلماذا امتلأت دفاتري بالعلامات السيئة؟

ولماذا تستخفين بتاريخي

وقدراتي ومهاراتي؟

أنا لا أفهم حتى الآن، يا سيدتي

ما هو المطلوب مني؟

ما هو المطلوب مني؟

كي أكون الرجل الأول بين رجالكِ

وكي أكون الرائد الأول

والمكتشف الأول

والمستوطن الأول..

في شعرك أو طيات شالك..

ما هو المطلوب حتى أدخل البحر

وأستلقي على دفء رمالك؟

لقد نفذت حتى الآن

آلاف الحماقات لإرضاء خيالك

وقد استشهادتُ آلاف المرات

من أجل وصالك..

يا التي عبرت أقدامها

أقوى الممالك..

حرريني..

من جنوني وجمالك..

ما هو المطلوب لأعلن للعشق ولائي

ما هو المطلوب كي أُدفن بين الشهداء؟

أدخلوني في سبيل العشق مستشفى المجاذيب..

وحتى الآن، يا سيدتي، لم يطلقوني..

شنقوني في سبيل الشعر مرات ومرات..

ويبدو أنهم لم يقتلوني

حاولوا أن يقلعوا الثورة من قلبي وأوراقي

ويبدو أنهم..

قد زرعوني في داخل الثورة، يا سيدتي..

يا التي حبي لها

يدخل في باب الخرافات

ويستنزف عمري ودمائي..

لم يعد لدي هوايات سوى

أن أجمع الكحل الحجازي الذي بعثرته في كل الزوايا..

لم يعد لدي اهتمام سوى..

أن أطفئ النار التي أشعلتها نهداك في قلب المرايا..

لم يعد لدي جواب مقنع

عندما تسألني عنك دموعي ويداي..

اشربي قهوتك الآن، وقولي

ما هو المطلوب مني؟

أنا منذ السنة الألفين قبل الثغر..

فكرت بثغرك..

أنا منذ السنة الألفين قبل الخيل..

أجري كحصان حول خصرك..

وإذا ما ذكروا النيل

تباهايت في طول شعرك.

يا التي يأخذني قفطانها المشغول بالزهر

إلى أرض العجائب..

يا التي تنتشر الشامات في أطرافها

مثل الكواكب..

إنني أصرخ كالمجنون من شدة عشقي..

فلماذا أنتِ، يا سيدتي، ضد الموهبة؟

إنني أرجوك أن تبتسمي..

إنني أرجوك أن تنسجمي..

أنتِ كما تعلمين

أن خبراتي جميعها تحت أمرك

ومهاراتي جميعها تحت أمرك

وأصابعي التي عمّرت أكواناً بها

هي أيضاً تحت أمرك..

لكي أتذكر باقي النساء

حرامٌ عليك..

حرامٌ عليك..

لقد أخذت آلاف العصافير مني

ولون السماء..

وصادرت من رئتي الهواء.

أريدك أن تمنحيني قليلاً من الوقت،

كي أتذكر باقي النساء…

Scroll to Top