رحمة الله تعالى
تعددت أسماء الله عزّ وجلّ، ومن أبرزها: الرحمن والرحيم، حيث يُعبّر عن صفة الرحمة التي اتصف بها الله -عزّ وجلّ- والتي تشمل جميع مخلوقاته. يُظهر اسم الرحمن علاقة مباشرة بالله، مشيراً إلى أن الرحمة هي إحدى صفاته الذاتية، بينما يعتبر اسم الرحيم دلالة على صفة الرحمة الفعلية؛ فالله رحيم بعباده، والرحمن يدل على من يتصف بالرحمة، في حين يشير الرحيم إلى من يكرم برحمته الخاصة. تم ذكر اسم الرحمن في القرآن الكريم بمعدل سبع وخمسين مرة، بينما ورد اسم الرحيم مئة وأربعة عشر مرة، مما يعكس اتصاف الله بالرحمة وامتدادها نحو عباده. هناك تباين كبير بين رحمة الله الكاملة ورحمة عباده التي غالباً ما تصيبها النقص والعجز؛ حيث تشمل رحمة الله جميع مخلوقاته من إنسان وجن وحيوان وملائكة. من أهم مظاهر رحمته الكريمة تجاه عباده الإحسان إليهم، وخصوصاً أولئك الذين يلتزمون بما أمر الله به ويبتعدون عن نواهيه. في المقابل، أولئك الذين ينقادون وراء أهوائهم وشهواتهم هم الأبعد عن رحمة الله. وبالتالي، يُعد اقتراب الإنسان من شرائع الله واتباعه لأوامره سبباً في الفوز برحمة الله.
آثار رحمة الله تعالى بعباده
عند الإيمان برحمة الله، تظهر العديد من النتائج والثمار، ومن تلك الآثار:
- كلما تجلّت صفة الرحمة في العبد، ارتفع قدره عند الله؛ فقد كان الأنبياء، وعلى رأسهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ارحم الناس بأممهم. ووصفت رسالته بأنها رحمة للعالمين، حيث كانت الرحمة حاضرة في مواقفه كافة، حتى في أحلك الأوقات. يكرم المؤمنون بالحصول على رحمة الله بقدر اتباعهم نهج النبي، والسابقين بالرحمة هم الأبوين ثم الضعفاء من المسلمين.
- تفتح الرحمة آفاق الأمل، وتدفع إلى الأعمال الصالحة، وتمنح المسلم شعوراً بالأمان، حيث سبقت رحمة الله غضبه. كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، “إنَّ اللهَ خلق الرَّحمةَ يومَ خلقها مائةَ رحمةٍ…” ليدلل على سعة رحمة الله في خلقه.
- الرحمة بالمخطئين تكون من خلال التوجيه بلطف، ورؤيتهم بعين الرحمة، ومعاملتهم برأفة، مع تجنب الكبر والاحتقار.
- يعيش المؤمن كل عمل يقوم به، سواءً كان من الأعمال الصالحة، أو تجنب المحرمات، مستشعراً رحمة الله، ومراقبته في كل أحواله، ويواصل السعي للتقرب إلى الله.
- الابتعاد عن كل ما سوى الله عز وجل يؤثر في تصرفات المؤمن، مما يؤدي إلى تواصل مع خالقه القوي المستغني عن الجميع.
أسباب رحمة الله
لا يمكن إحصاء رحمة الله -عز وجل- بشكل شامل؛ فهي من النعم التي لا تُعد ولا تُحصى، كما قال الله: (وَإِن تَعُدّوا نِعمَتَ اللَّـهِ لا تُحصوها إِنَّ الإِنسانَ لَظَلومٌ كَفّارٌ). ومن الأسباب التي تؤدي إلى رحمة الله بعباده:
- أداء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأداء الصلاة والزكاة، وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، حيث قال الله: (وَالمُؤمِنونَ وَالمُؤمِناتُ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ يَأمُرونَ بِالمَعروفِ… أُولـئِكَ سَيَرحَمُهُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ عَزيزٌ حَكيمٌ).
- الإيمان بالله والاعتصام به؛ فمن يعتصم بالله ينل رحمة تحصنه عن جميع ما سواه.
- التقوى في السر والعلن كما ورد في قوله تعالى: (وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ فَسَأَكتُبُها لِلَّذينَ يَتَّقونَ…).
- الاستماع والإنصات للقرآن الكريم، فهو هدى ورحمة للمهتدين، حيث أن التجاوب مع آياته يُفيض رحمة على القارئ والمستمع.
- قيام الليل يُبرز الفرق بين المؤمن والكافر، حيث يكون السبب بين الأمل في رحمة الله والخوف من عذابه، وليس مجرد التمني بل يتطلب العمل.
- إصلاح ذات البين كما ورد في قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ…).
- الصبر على أحكام الله، فلا يقنط المسلم مما ابتلاه الله به، بل يرضى بما قدره له.
- الهجرة والجهاد في سبيل الله، من أهم أسباب نيل رحمة الله، فقد قال رسول الله أن من بذل روحه لإعلاء كلمة الله أثيب برحمته.