معلقة عمرو بن كلثوم
أهلا بكِ في صحنكِ، اصبحي حالاً،
ولا تتركي لنا من الخمر شيئًا،
تشعّ كالحصى عندما يختلط الماء بها،
إذا ما خالطه ماء حارٍ.
فإني أرى أن الحب يجور على قلبي،
عندما يتذوق هذا الشراب حتى يلين.
ترى البليد الشحيح، إذا أُمِرَ توفير المال،
أنه لا يليق به أن يدرك حاجتنا.
لقد أرسلوا لنا الكأس من عند أم عمرو،
وكانت الكأس تعربد في الكف اليمينية.
وما شر الثلاثة، يا أم عمرو،
بأسوأ من صاحبكِ الذي لم يصبح بعد.
وكأساً قد شربتها في بعلبك،
وأخرى في دمشق وقاصرين.
وإننا لن ندرك الموت،
إن كان محدداً لنا، ومقَدَّرِين.
قفِ قبل التفرقة، يا ظعينة،
لنخبركِ باليقين، وتخبرينا.
قفِ، نسألكِ، هل حدثتِ شيئًا،
هل خنتِ الأمانة في زمن الفراق؟
يوم قتال واشتراك في الطعن،
أقرَّت بذلك عيون الأوفياء.
وإن غداً، وإن اليوم، رهنٌ،
وبعد غدٍ بما لا تعلمين.
ترينني إذا دخلت إلى الخلاء،
وقد أمانت عيون الكاشحين.
ذراعي كذراعي الطرف الأملس،
ذات اللون الهجاني لم تقرأ جنيني.
وثدي مثل حق العاج الرخيص،
حُصِّنَّا من يد الملائكة.
ومنتنى لدنةٍ تمتد طويلاً،
وروادفها تعاني مما يليها.
ومكان ضيق لا يعرف الباب،
ونصفنا قد جننت به جنون.
وساريتي بَلَنطٍ أو رُخامٍ،
يُرنُّ لحنُ حليهما ألحاناً.
فما وجدتُ الكئابة، أم سقب،
أأضلتني فاسترجعت الحنين.
ولا شمطاءٌ لم تترك شقاءها،
لها من تسعةٍ إلا جنين.
تذكرتُ الصبا واشتقت لما،
رأيتُ حمولتها وقد أحضرت.
فأعرضتِ اليمامة وابتعدت،
كأسيافٍ بأيدٍ مصلتة.
أبا هندٍ فلا تَعجَل علينا،
وانظرنا، لنخبركِ اليقين.
بأننا نورِدُ الرايات بيضاء،
ونصدرها حمراءً قد رُوِيَت.
وأيامٌ لنا غرّ طوال،
عصينا الملك فيها أن ندين.
وسيد معشر قد تُوَّجَ،
بتاج الملك يحمي المهاجرين.
تركن الخيل عاكفةً عليه،
مُقلَّدةً أعنتها صفوفنا.
وأنزلنا البيوت بذي طلوح،
إلى الشامات ننفي الموعودين.
وقد هَرَّت كلاب الحي منا،
وشذَّبنا قتادة من يلينا.
متى ننتقل إلى قومٍ رحّان،
يكونوا في اللقاء لها طحيناً،
يكون ثقَالها شرقي نجدٍ،
ولهواتها قضاعَةَ أجمعين.
نزلتم منزل الأضياف منا،
فأعجلنا القرى أن تشتمونا.
قاريناكم فأعجلنا قراكـم،
قبيل الصبح مرداة طحونا.
نعُمُّ أناسنا ونَعِفُ عنهم،
ونحمل عنهم ما حملونا.
نطاعن ما تراخى الناس عنا،
ونضرِب بالسيوف إذا غُشيتم.
بِسُمَارٍ من قَنَا الخَطِّيَةِ لـدنٍ،
ذَوَابِلَ أو بِبِيضٍ يختالون.
كأنَّ جَمَاجِمَ الأبطال فيه،
وسُوقٌ بالأمَاعِز يرتمين.
نشُقّ بها رؤوس القوم شقّاً،
ونَختلِب الرِقَا بِفتختالين.
وإن الضِغن بعد الضغن يبدو،
عليك ويُخرج الداء الدفين.
ورِثنا المجد قد علمت معدّ،
نطاعن دونه حتى يبين.
ونحن إذا عماد الحي خَرَّت،
عن الأحراض نمنع من يَلينا.
نجذّ رؤوسهم في غير برٍ،
فما يَدْرُونَ ماذا يتَّقون.
كأن سيوفنا منا ومنهم،
مخاريقٌ بأيدي لاعبين.
كأنَّ ثيابنا منا ومنهم،
خُضِبْنَ بأرجوان أو طُلٍ.
إذا ما عَيَّا بالإِسنَافِ حيٌّ،
من الهول المشبَّه أن يكون.
نصَبْنا مثل رهوة ذات حدّ،
محافظة وكُنَّا السابِقِين.
بشُبَّانٍ يرون القتل مجداً،
وَشيبٍ في الحُروب مُجَرَّبِين.
حديَّا الناس كُلِّهِمُم جَمِيعاً،
مُقارَعَةً بَنيهِم عن بَنينَا.
فأما يوم خشينا عليهم،
فتصبح خيلنا عُصُباً ثُبِين.
وأما يوم لا نخشَى عليهم،
فنُمعِّن غَارة مُتَلَبّبِينَا.
برأسٍ من بني جُشم بن بَكْرٍ،
ندُقُّ به السهولة والأحزان.
ألا لا يعلم الأقوام أننا،
تَضَعضَعنَا وأننا قد وَنِينَـا.
ألا لا يجهلنَّ أحدٌ علينا،
فنهجر فوق جهل الجاهلين.
بأي مشيئة عمرو بن هند،
نكون لقيلكُم فيها قَطِين.
بأي مشيئة عمرو بن هند،
تطيع بنا الوشاة وتزدري.
تهددنا وتوعدنا رويدا،
متى كنا لأمك مقْتَوِينَ.
فإن قناتنا، يا عمرو، أعيَت،
على الأعداء قبلك أن تلين.
إذا عضّ الثقاف بها اشمأزَّت،
وولّته عشوزنة زبوننا.
عشوزنة إذا انقلبت أرنَّت،
تشُجُّ قَفَا المثقِّف والجبيين.
فهل حُدِّثتَ في جُشَم بن بَكْرٍ،
بنقصٍ في خُطوب الأوائلين؟
ورِثنا مجد عَلقَمة بن سيف،
أباح لنا حصون المجد ديناً.
ورَثتُ مهلهل والخير منه،
زُهَيْرًا نعَماً ذُخْر الذَاخِرين.
وعَتَّاباً وكلثُومًا جميعًا،
بهم نِلْنَا تراث الأكرمين.
وهذا البرة الذي حُدِّثتَ عنه،
به نحمي ونحمي الملجَئين.
ومنّا قبله الساعي كُلَّيبٌ،
فأي المجد إلا قد وَلِينَا.
متى نعاقد قَرِينتَنَا بحبٍ،
تجُذَّ الحبل أو تقص القَرِينَ.
ونوجد نحن أمنَعَهُم ذِمَاراً،
وأوفاهم إذا عَقَدُوا يميناً.
ونحن غداةَ أوقَدَ في خَزازَى،
رفَدْنا فوق رِفدِ الرّافِدِين.
ونحن الحابسُون بذي أَرَاطَى،
تسِفُّ الجلّةُ الخور الدّرينة.
ونحن الحاكمُون إذا أُطِعنا،
ونحن العازمون إذا عُصِينَ.
ونحن التاركُون لما سخِطنا،
ونحن الآخذون لما رضينا.
وكُنّا الأيمَنِين إذا التَقَينا،
وكان الأيسرِين بنو أبَينَا.
فصَالُوا صولةً فيمن يليهم،
وصلنا صولةً فيمن يلينا.
فآبُوا بالنِّهَابِ وبالسَّبَايَا،
وأبْنَا بالمُلُوك مُصَفَّدين.
إليكُم يا بني بَكَ رإليكُم،
ألمّا تعرفوا مِنّا اليقين؟
ألمّا تعلموا منا ومنكُم،
كُتائبَ يَطْعَنّن ويَرتمِين.
علينا البَيضُ واليَلَبُ اليماني،
وأسيافٌ يَقُمُنَ وينحنِين.
علينا كلُّ سابغةٍ دِلَاصٍ،
ترَى فوق النِّطاقِ لها غُضُون.
إذا وضعت عن الأبطال يوماً،
رأيتَ لها جُلُودَ القوم جُوناً.
كأنّ غُضُونَهُنَّ مُتُونُ غدرٍ،
تُصَفِّقُها الرِّيَاح إذا جَرَينَا.
وتحمِلُنا غَدَاةَ الرَّوعِ جُرْدٌ،
عُرِفْنَ لنا نَقَائِذَ وَافتُولِينَا.
وردنَ دَوَارِعاً وخرجنا شُعثى،
كأمثالِ الرصائع قد بَلَيْنَا.
ورِثنَاها عن آباءِ صدقٍ،
ونُورثُها إذا مُتْنَا بَنِينَـا.
على آثارنا بيضٌ حِسانٌ،
نُحاذِر أن تُقسَّمَ أو تهونَـا.
أخَذنَ على بُعُولَتِهِنَّ عهداً،
إذا لاقُوا كُتائبَ مُعلِّمِينَـا.
ليستَلِبُنَّ أَفراسٌاً وبيداً،
وأسرَى في الحديد مُقَرَّنين.
تَرَانَا بَارِزِين وكُلُّ حَيٍّ،
قد اتَّخَذُوا مَخَافَتَنَا قَرِيناً.
إذا ما رُحْنَ يمشِينَ الهُوَينَا،
كَمَا اضطَرَبَت مُتُونُ الشَّارِبِينَ.
يَقُتْنَ جِيَادَنا ويَقُلنَ لَستُم،
بُعُولَتَنَا إذا لم تَمْنَعُونَا.
ظَعَائِنَ مِن بَنِي جُشَم بن بِكْرٍ،
خَلَطْنَ بِمِيسَمٍ حَسَباً وديناً.
وما مَنَعَ الظَّعَائِن مِثلُ ضَربٍ،
تَرى منه السَّوَاعِدَ كالقُلِينَ.
كَأنّا والسُّيوفُ مُسَلَّلاتٌ،
ولَدْنَا النَّاسَ طُرّا أجمَعِينَ.
يُدَهدِهِنَّ الرُّؤُوس كما تُدَهْدَي،
حَزَأوِرَةٌ بأبطَحَهَا الكورِينَ.
وقد عَلِمَ القَبائل مِن مَعَدٍّ،
إذا قُبَبٌ بأبطَحِها بُنّيــا.
بأننا المُطعِمُون إذا قَدَرنا،
وأننا المُهلِكُون إذا ابتُلينا.
وأننا المانِعُون لما أرَدْنا،
وأننا النازِلُون بحيث شِينا.
وأننا التّارِكُون إذا سخِطنا،
وأننا الآخذُون إذا رَضِينَا.
وأننا العازمُون إذا عُصِينَ،
ونشرب إن ووردنا الماء صَفواً،
ويشرب غيرنا كَدِرًا وطِينَاً.
ألا أبلغ بني الطّمَّاحِ عَنّا،
ودُمِيَّاً فكيف وجدتمونا.
إذا ما الملك سامَ الناسَ خَسفاً،
أبِينَا أن نُقِرَّ الذلَّ فِينَا.
ملأنا البرَّ حتى ضَاقَ عَنّا،
وظهر البحر نملؤه سفِينَاً.
إذا بلغ الفطام لنا صبيٌ،
تَخِرُّ له الجبابِرُ ساجدين.
رددت على عمرو بن قيس قلادة
رددت على عمرو بن قيس قلادة،
ثمانين سودا من ذرى جبل الهضب.
فلو أن أمي لم تلدني لحلقت،
بها المغرب العنقاء عند أخي كلب.
أبيت له من أن يكون اختياره،
عطاء الموالي من أفيل ومن سقب.
ولم تر عيني مثل مرة فارسا،
غداة دعا السفاح يال بني الشجب.
وما كان من أبناء تيم أرومة،
ولا عبد ود في النصاب ولا الصلب.
وزل ابن كلثوم عن العبد بعدم،
تَبَرَّا له من خالد وبني كعب.
ألا من مبلغ
ألا من مبلغ عمرو بن هند،
فما رعيت ذمامة من رعيتا.
أتغصب مالكا بذنوب تيم؟
لقد جئت المحارم واعتديتا،
فلولا نعمة لأبيك فينا،
لقد فضت قناتك أو ثويتا.
أتنسى رفدنـا بعويـرضات،
غداة الخيل تخفر ما حويتا.
وكنا طوع كفك يا ابن هند،
بنا ترمي محارم من رميتا.
ستعلم حين تختلف العوالي،
من الحامون ثغـرك إن هويتا.
ومن يغشى الحروب بملهبات،
تهدم كل بنيان بنيتا.
إذا جاءت لهم تسعـون ألفا،
عـوابسهـن وردا أو كميتا.
أأجمع صحبتي
أأجمع صحبتي سحر ارتحالا،
ولم أشعر ببين منك هالا.
ولم أر مثل هالة في معد،
تشبه حسنها ألاّ الهلالا.
ألا أبلغ بني جشم بن بكر،
وتغلب كلها نبأ جلالا.
بأن الماجد البطل ابن عمرو،
غداة نطاع قد صدق القتالا.
كتيبته ململمة رداح،
إذا يرمونها سنبي النبالا.
جزى الله الأغـر يزيد خيرا،
ولقاه المسرة والجمالا.
بمأخذه ابن كلثوم بن سعد،
يزيد الخير نازله نزالا.
بـجمع من بني قران صيد،
يجيلون الطعان إذا أجالا.
يزيد يقدم الشقراء حتى،
يروي صدرها الأسل النهالا.
بكرت تعذلني وسط الحلال
بكرت تعذلني وسط الحلال،
سفها بنت ثوير بن هلال.
بكرت تعذلني في أن رأت،
إبلي نهبا لشرب وفضال.
لا تلوميني فإني متلف،
كل ما تحوي يميني وشمالي.
لست إن أطرفت مالا فرحا،
وإذا أتلفته لست أبالي.
يخلق المال فلا تستيئسي،
كري المهر على الحي الحلال.
وابتذالي النفس في يوم الوغى،
وطرادي فوق مهري ونزالي.
وسموي بخميس جحفل،
نحو أعدائي بحلي وارتحالي.
أنذرت أعدائي غدا
أنذرت أعدائي غدا،
بالقنا حدي الناس طرا.
لا مرعيا مرعى لهم،
ما فاتني أمسيت حرا.
حلوا إذا ابتغي الحل،
واستحب الجهد مغا.
كم من عدو جاهد،
بالشر لو يسطيع شرا.
يغتاب عرضي غائبا،
فإذا تلاقينا اقشعرا.
يبدي كلاما ليناً،
عندي ويحقر مستسرا.
إني امرؤ أبدي مخ،
لفتي وأكره أن أسرا.
من عصبة شَم الأنف،
فترى عدوهم مصرا.
أفناء تغلب والدي،
ويدي إذا ما البأس ضرا.
والرافعين بناءهم،
فتراه أشمخ مشمخرا.
والمانعين بناتهم،
عند الوغى حدبا وبرا.
والمطعمين لدى الشتاء،
سدائفا من النيب غرا.
ولقد شهِدت الخيل تحارب،
تجر دارعين تزر زرا.
نازعت أولاها الكتيبة،
معجما طرفا طمرا.