قصيدة منى كن لي أن البياض خضاب
يستشهد المتنبي في قوله:
مُنًى كُنّ لي أنّ البَياضَ خِضابُ
ففي تبييض القُرون، يُخفى شبابُ
لَيَالي عندَ البِيضِ فَوْدايَ فِتْنَةٌ
وجاء فخرٌ، وفَخْرِي عِندَها عابُ
فكيف لي أن أذمّ اليومَ ما كنْتُ أشتَهِي
وأدعو بما أشكوهُ حينَ أُجابُ
جلا اللونُ عن لونٍ فهدى كلَّ مسلكٍ
كما انجابَ عن ضوء النهارِ ضبابُ
وفي الجسمِ نفسٌ لا تَشيبُ بشيبهِ
ولو أنّ ما في الوجهِ منهُ حِرَابُ
لها ظُفُرٌ إن كَلّ ظُفْرٌ أُعِدُّهُ
ونابٌ إذا لم يبقَ في الفمِ نابُ
يُغَيِّرُ الدّهرُ مني ما شَاءَ غيرَها
وأبلغُ أقصى العمرِ وهي كَعابُ
وإنّي لنجمٍ تَهْتَدي به صُحبَتي
إذا حالَ من دون النجومِ سَحابُ
غنيٌّ عن الأوطانِ لا يستخفُّني
إلى بلدٍ سافرتُ عنهُ إيابُ
وعن ذمَلِ العيسِ إن سامحْتْ بهِ
وإلاّ ففي أكوارِهنّ عُقَابُ
وأصدى فلا أُبْدي إلى الماءِ حاجةً
وللشمسِ فوقَ اليعمَلاتِ لُعابُ
وللسرّ مني موضعٌ لا ينالهُ
نديمٌ ولا يُفضي إليه شَرَابُ
وللخودِ منّي ساعةٌ ثمّ بيننا
فلاةٌ إلى غير اللقاء تُجابُ
وما العشقُ إلا غِرّةٌ وطَماعَةٌ
يُعرّضُ قلبًا نفسهُ فيُصابُ
وغيرُ فؤادي للغوايني رميّةٌ
وغيرُ بنيّ للزجاجِ رِكابُ
ترَكْنا لأطرافِ القَنَا كلَّ شهوةٍ
فليس لنا إلا بهنّ لِعابُ
نُصرفهُ للطعنِ فوقَ حَوَادِرٍ
قد انقَصَفَت فيهِنّ منهُ كِعَابُ
أعزُّ مكانٍ في الدُنيا سَرجٌ سابحٌ
وخيرُ جليسٍ في الزمان كتابُ
وبحرُ أبي المسكِ الخِضَمُ الذي لهُ
على كلِ بحرٍ زَخْرَةٌ وعُبابُ
تجاوزَ قدْرَ المدحِ حتى كأنّهُ
بأحسن ما يُثنَى عليه يُعابُ
وغالَبَهُ الأعداءُ ثم عَناهُ لَهُ
كما غَالبتْ بيضَ السيوفِ رِقابُ
وأكثرُ ما تلقى أبا المسكِ بذلةً
إذا لم تصنْ إلا الحَديدَ ثِيَابُ
وأوسعُ ما تَلقاهُ صدرًا وخلفَهُ
رِماءٌ وطعنٌ والأمامَ ضِرَابُ
وأنفذُ ما تلقاهُ حُكماً إذا قَضَى
قضاء مُلوكِ الأرضِ منه غِضَابُ
يُقودُ إليه طاعةَ الناسِ فَضْلُهُ
ولو لم يُقِدْها نائلٌ وعِقَابُ
أيَا أسَداً في جِسْمِهِ رُوحُ ضَيغَمٍ
وكم أُسُدٍ أرواحُهنَّ كلابُ
ويا آخذاً من دَهْرِهِ حقَّ نفسهِ
ومثلك يُعطَى حقَّه ويُهابُ
لنا عندَ هذا الدهرِ حقٌّ يلطخهُ
وقد قلّ إعتابٌ وطالَ عتابُ
وقد تُحدِثُ الأيامُ عندكَ شيمَةً
وتنعَمِرُ الأوقاتُ وهيَ يَبَابُ
ولا مُلكَ إلا أنتَ والمُلْكُ فَضْلَةٌ
كأنك سَيفٌ فيهِ وهوَ قِرَابُ
أرى لي بقُرْبي منك عَيْناً قَريرَةً
وإن كانَ قُرْباً بالبِعَادِ يُشَابُ
وهل نافعي أن تُرفعَ الحجبُ بيننا
ودونَ الذي أمَلْتُ منك حِجابُ
أقِلُّ سلامي حُبًّا ما خفّ عَنكُمُ
وأسكتُ كيمَا لا يكونَ جوابُ
وفي النفسِ حاجاتٌ وفيكَ فَطانَةٌ
سُكوتي بيانٌ عندَها وخِطابُ
وما أنا بالباغي على الحب رِشوةً
ضعيفُ هوًى يُبغَى عليه ثَوَابُ
وما شئتُ إلا أن أدلّ عَواذلي
على أن رأيي في هَوَاكَ صوابُ
وأُعلِمَ قوماً خالفوني فشرّقُوا
وغربتُ أني قد ظفِرْتُ وخَابُوا
جرى الخُلفُ إلا فيكَ أنكَ واحدٌ
وأنكَ ليثٌ والمُلُوكُ ذِئَابُ
وأنكَ إن قُويِسْتَ صحّفَ قارئٌ
ذئاباً ولم يُخطىء فَقالَ ذُبَابُ
وإن مدحَ الناسِ حقٌّ وباطلٌ
ومَدحكَ حقٌّ ليس فيه كِذابُ
قصيدة سلي يا عبلة َ الجبلينِ عنَّا
- يقول عنترة بن شداد:
سلي يا عبلة َ الجبلينِ عنَّا
وما لاقتْ بنو الأعجام منَّا
أبدنا جَمْعَهُم لما أَتَوْنا
تموجُ مواكبٌ إنساً وجنا
وراموا أكلنا من غير جوع
فأشبعناهم ضرباً وطعناً
ضربناهم ببيضٍ مرهفاتٍ
تقدُّ جُسُومَهُمْ ظهراً وبَطناً
وفرقنا المواكبَ عن نساءٍ
يجدْنَ على نساءِ الأرض حُسناً
وكم من سيدٍ أضحى بسيفي
خضيبَ الراحتين بغير حَنَا
وكم بطلٍ تركتُ نساءه تبكى
يرددن النواحَ عليه حُزناً
وحجارٌ رأى طعني فنادى
تأنى يا ابنَ شدادِ تأنى
خلقتُ من الجبالِ أشدَّ قلباً
وقد تفنى الجبالُ ولست أفنى
أنا الحصنُ المشيدُ لآلِ عبسٍ
إذا ما شادتِ الأبطالُ حصناً
شبيهُ الليلِ لوني غيرَ أني
بفعلي من بياض الصُّبح أَسْنى
جوادي نسبتي وأبي وأمي
حُسامي والسنانُ إذا انْتسبْنا.
قصيدة على قدر أهل العزم تأتي العزائم
يقول المتنبي:
على قدر أهل العزم تأتي العَزائِمُ
وتأتي على قدر الكِرامِ المَكارمُ
وتعظم في عين الصغير صغارُها
وتصغر في عين العظيم العَظائمُ
يكلف سيف الدولة الجيش همّهُ
وقد عجزتْ عنهُ الجيوشُ الخضارمُ
ويطلب عند الناسِ ما عند نفسه
وذلك ما لا تدعيهِ الضراغمُ
يفدّي أتمُّ الطيرِ عُمراً سِلاحَهُ
نُسورُ الفَلا أحداثُها والقشاعِمُ
وما ضرّها خلقٌ بغير مخالبٍ
وقد خُلِقَتْ أسيافُهُ والقوائمُ
هل الحَدَثُ الحمراءُ تعرفُ لونَها
وتعلم أيُّ السَّاقيين الغَمائِمُ
سَقَتْها الغَمَامُ الغُرُّ قبل نُزُولِهِ
فلما دنا منها سَقَتها الجَمَاجِمُ
بناها فأعلی والقنا يقرع القنا
وموجُ المَنايا حولَها متلاطمُ
وكان بها مثْلُ الجُنُونِ فأصبَحَتْ
ومن جُثَثِ القتلى عليها تمائِمُ
طريدةُ دهْرٍ ساقَها فرددْتها
على الدينِ بالخَطّيّ والدّهْرُ راغمُ
تُفيتُ كلّيالي كلَّ شيءٍ أخذتَهُ
وهُنّ لما يأخذْنَ منكَ غَوَارِمُ
إذا كانَ ما تنويهِ فعلاً مُضارِعاً
مَضى قبل أن تُلقى عليهِ الجوازِمُ
وكيف تُرجّي الرُومُ والرّوسُ هدمَها
وذا الطعنُ آساسٌ لها ودعائِمُ
وقد حاكَمُوهَا والمَنايا حَوافِمٌ
فما ماتَ مظلومٌ ولا عاشَ ظالمُ.
قصيدة طلقت بعدك مدح الناس كلَّهم
- يقول أبو بكر الخوارزمي:
طلقت بعدك مدح الناس كلَّهم
فإن أراجع فإنّي محصن زاني
وكيف أمدحهم والمدح يفضحُهُم
إن المسيب للجاني هو الجاني
قومٌ تراهم غضابي حين تنشدهم
لكنه يشتهي مدحاً بمجَّان
عثمان يعلم أن المدح ذو ثمن
لكنه يشتهي مدحاً بمجَّان
ورابني غيظهم في هجو غيرهم
وإنما الشعر مصوبٌ بعثمان
ما كل غانيةٍ هندٌ كما زعموا
وربما سبّ كشحانٌ بكشحان
فسوف يأتيك مني كل شاردةٍ
لها من الحسن والإحسان نسجان
يقول من قرعت يوماً مسامعه
قد عَنَّ حسان في تقريظ غسّان
الوشي من أصبهان كان مجتلباً
فاليوم يُهدي إليها من خراسان
قد قلت إذ قيل إسماعيل ممتدحٌ
له من الناسِ بختٌ غير وسنان
الناس أكيس من أن يمدحوا رجلاً
حتى يروا عنده آثار إحسان.