أروع قصائد الشاعر أبو القاسم الشابي

إنني أرى، في الأفق هناك حشود

إنني أرى، في الأفق هناك حشود.

ولكنها تعيش بلا أبواب،

يدوي حولها الزمان، وكأنما

يصدح بجوار الصخور والتراب.

وإذا استجابوا لنداء الزمن، تباينوا

وتراشقوا بالأشواك والأحجار.

وقضوا على روح الأخوة بينهم،

عن جهل، وعاشوا كالغرباء.

فرحت بهم مخلوقات التعاسة والفناء،

وطموحات السلاّب والغلاب.

إنها ألعاب تحركها الأطماع، والغرور،

وصغائر الأحقاد والآلام.

وأرى نفوسًا من دخانٍ، ثابتة،

كأشباح، تتلاشى خلف الضباب.

أمواتٌ، نسوا شوق الحياة وعزمها،

وتحركوا كتحرك الأنصاب.

وخبا فيهم لهيب الوجود، فما بقوا

إلا كمن يحترق بين الأخشاب.

لا قلب يتقدم إلى الحياة، ولا عقل،

يرتقي في علو الطائر الجوال.

بل في التراب الميت، في حزن الأرض،

تنمو مشاعرهم مع الأعشاب.

ويموتون خامدين، كزهور بائسة،

تنمو وتذبل في ظلام الغاب.

دائمًا تحدق في التراب، ولا ترى

نور السماء، فروحها كتراب.

الشاعر الموهوب يبدد فنه،

هدرًا على الأقدام والأعتاب.

ويعيش في كون عقيم، خاوٍ،

قد شيدته غباوة العصور.

والعالم المثقف يقضي عمره،

في فهم الكلمات، ودرس الكتاب.

يعيش على ركام القديم المهمل،

كالدود في رماد المحاجر.

أما الشعب فبينهما قطيع ضائع،

عالمه عالم مأكل وشراب.

ويل للحسّاس في دنياهم،

ماذا يلاقي من أسى وعذاب!

تسألني لمَ سكت ولم أهب

يقول أبو القاسم الشابي:

تسألني لمَ سكت ولم أهب

لقومي وليل الكوارث مظلم.

وسيل الرزايا يجرف بالشدة،

غضوب، ووجه الزمان متجهم.

سكتُّ وقد كانت قناتي غضّة،

تستمع إلى همس النسيم وتحلم.

وقلتُ وقد أصغت إلى الريح مرة،

فجاش بها إعصار متهالك.

وقلتُ وقد جاش الشعر في خاطري،

كما جاش صخب الأواذٍ وأحلام.

أرى المجد معصوب الجبين مغطى،

على أشواك الألم يغمره الدم.

وقد كان وضاح الأسرار مبتسمًا،

يستجيب للجلاء ولا يتبرم.

فيا أيها الظلم الذي ترفع خدّه،

رويدك، إن الزمان يبني ويهدم.

سيثأر للعزة المحطمة تاجه،

رجال إذا جاش الرّدَى فهم هم.

رجال يرون الذل عارًا ووصمة،

ولا يرهبون الموت، والموت آتٍ.

وهل تعتلي إلا نفوسًا أبيّة،

تصدع أغلال الهوان وتكسر.

Scroll to Top