قصيدة هي الدنيا وأنت بها خبير
- يقول الشاعر الحسن الهبل:
هي الدنيا، وأنت بها خبير،
فكم من تفريط وغرور،
ينجرّ أهلها وراء حبال الغدر.
فالجميع أسير في شباكها،
إلى متى ستظل مرتكناً إليها،
تغريه القصور والمنازل.
تضحك حتى تملأ فاهك، ولكنك لا تدري
بما يحمله لك اليوم العسير.
تصبح غافلاً في حياة خفيفة،
تحفك الأماني والسرور،
بينما عمرك يتناقص في كل يوم.
تمر بك الليالي والشهور،
وأنت على شفا النيران، إن لم
تستغث بعفوه الرب الغفور.
انتبه من سُنة التفريط،
ولا تغفل فانذار قد ورد.
شمر للرحيل باجتهاد،
فقد أزف وقت الرحيل والمغادرة.
خذ من التقوى حصنًا ليومٍ
عليه المدافعين والنصير.
ولا تنخدع بالدنيا، احذر،
فقد أودت بكثير من البشر.
كم من ملوك سارت عليهم،
كأنهم لم يسيروا على ظهرها،
وكم من القصور العالية شيدوا،
فهل وسعتهم إلا القبور؟
فهل يغرّ بالدنيا عاقل؟
وهل يصبو إليها بصير؟
رويدك، رب جبار عنيد،
له قلب حزين في الغد،
ومفقرٌ له جاه صغير،
وقدر عند خالقه كبير.
ورب مؤمل أملًا طويلًا،
تخترم دونه الحياة القصيرة.
أعلى أسفًا؟ وهل يشفي غليلي
وينقع غليلي الدمع الغزير؟
من لي بالدموع، والقلوب
تلين، ولم تلن الصخور قط؟
وكم خلف الأستار من ذنب،
ورب العرش مطلع خبير.
وما تغني الأستار، وليس يخفى
عليه ما تحجبه الأستار.
إلا والإغترار به،
لعمري، كل كائنة ستصير.
ومالي لا أخاف عذاب يومٍ
تضيق به الحناجر والصدور.
وأترك كل ذنب خوفًا من نار،
بخالقها أعوذ وأستجير.
ولي فيه، تبارك وتعالى، حسن ظن.
وذنبي عند رحمته يسير.
تعالى عن عظيم الشكر قدرًا،
فما مقدار من يثني الشكور؟
وقدس عن وزير أو معين،
فلا وزر لديه ولا وزير.
إله الخلق، عفوًا، أنت أدرى
بما أُظهر وما يخفي الضمير.
عصيت وتبت من ذنبي، وإني
إلى الغفران محتاج فقير.
فإن تغفر، ففضلاً، أو تعاقب
فعدلاً، أيها العدل القدير.
وحسن الظن بك يدل أنني
إلى إحسانك الضافي أصير.
وصل على شفيع الخلق طراً
إذا ما اجتمع الخلق في النشور،
وعترته الهداة الغر حقاً،
جميعًا، ما تعاقبت الدهور.
قصيدة ملكنا هذه الدنيا قرونا
يقول هاشم الرفاعي:
ملكنا هذه الدنيا قرونًا،
وأخضعها جدود خالدون.
وسطرنا صحائف من ضياء،
فما نسى الزمان، ولا نسينا.
حملناها سيوفًا لامعة،
غداة الروع تأبى أن تلينا.
إذا خرجت من الأغماد يوما،
رأيت الهول والفتح المبين.
وكنا حين يرمينا أناس،
نؤدبهم، أباء قادرين.
وكنا حين يأخذنا وليٌ
بطغيانٍ، ندوس له الجبينا.
تفيض قلوبنا بالهدي بأسا،
فما نغضي عن الظلم الجفون.
وما فتئ الزمان يدور حتى
مضى بالمجد قوم آخرون.
وأصبح لا يُرى في الركب قومي،
وقد عاشوا أئمته سنين.
وآلمني وآلم كل حر،
سؤال الدهر: أين المسلمون؟
ترى هل يرجع الماضي؟ فإني
أذوب لذلك الماضي حنينًا.
بنينا حقبة في الأرض ملكًا،
يدعمه شباب طامحون.
شباب ذللوا سبل المعالي،
وما عرفوا سوى الإسلام دينًا.
تعهدهم، فأنبتهم نباتًا
كريمًا، طاب في الدنيا غصونا.
هم وردوا الحياض مباركات،
فسالت عندهم مياه معينا.
إذا شهدوا الوغى، كانوا كماة،
يدكون المعاقل والحصون.
وإن جن المساء، فلا تراهم
من الإشفاق إلا ساجدينا.
شباب لم تحطمه الليالي،
ولم يسلم إلى الخصم العريانا.
ولم تشهدهم الأقداح يومًا،
وقد ملؤا نواديهم سجونًا.
وما عرفوا الأغاني مائعات،
ولكن العلا صنعت لحونًا.
وقد دانوا بأعظمهم نضالا،
وعلمًا، لا بأجزلهم عيونا.
فيتحدون أخلاقا عذابًا،
ويأتلفون مجتمعًا رزينا.
فما عرف الخلاعة في بنات،
ولا عرف التخنث في بنينا.
قصيدة ما أنتَ في الدُّنيَا سوى جاهلٍ
يقول رشيد أيوب:
ما أنتَ في الدُّنيَا سوى جاهلٍ،
إن لم تكن كالبرق وسط الضباب.
يمرّ لم يحفل به ضاحكًا،
حتى تطلّ الشمس فوق الهضاب.
والمرءُ إن لم يبنِ قصراً لهُ،
في عالمِ الأحلامِ قاسى الصّعاب.
يُفني قشورَ العَيش منّا الرّدى،
في هذه الدنيَا ويُبقي اللُّباب.
مَن يحفظ التاريخُ آثاره،
ما زال حيًّا، وهو نحت التراب.
لذا تراني كلما هَينَمَت
نَفسي بأسرارٍ وراءَ الحِجَاب.
هزّ الجوى قيثاري
في موقفِ التذكارِ،
فاسمع صَدى الأوتارِ
من دقّة النّوَى.
وربّ لَيلٍ خضتُ في بحرِهِ
وحدي، وقد باتَ رفاقي رقود.
قَطَعتُ بالأشواقِ تَيّارهُ،
فخلتُ أني قد قطعتُ الحدود.
وسرتُ فيهِ ودليلي الهوى،
تحدو بِيَ الذكرى ورعيُ العهود.
أسامرُ الأنجمَ في أفقها،
وأرسلُ الطرفَ بهذا الوجود.
تقول لي نفسي، وفيها المُنى،
ما قيمةُ الإنسان لولا الخلود؟
حتى إذا غابت نجومُ الدجى
عنّي، وكَلّ الطرفُ ممّا يرُود.
هزّ الجوَى قيثاري
في موقفِ التذكارِ،
فاسمع صدى الأوتارِ
من دقّةِ النّوَى.
قصيدة خذ ما استطعت من الدنيا وأهليها
يقول إيليا أبو ماضي:
خذ ما استطعت من الدنيا وأهليها،
لكن تعلّم قليلا كيف تعطيها.
كم وردة طيبها حتى لسارقها،
لا دمنه خبثها حتى لساقيها.
أكان في الكون نور تستضيء به،
لو السماء طوت عنّا دراريها؟
أو كان في الأرض أزهار لها أرج،
لو كانتا الأرض لا تبدي أقاحيها؟
إن الطيور الدمى سيّان في نظري،
والورق إن حبست هذي أغانيها.
إن كانت النفس لا تبدو محاسنها،
في اليسر، صار غناها من مخازيها.
يا عابد المال قل لي: هل وجدت به،
روحا تؤانسك أو روحا تؤاسيها؟
حتّى م، يا صاح، تخفيه وتطمره،
كأنّما هو سوءات تواريها؟
وتحرم النفس لذات لها خلقت،
ولم تصاحبك، يا هذا، لتؤذيها.
أنظر إلى الماء، إنّ البذل شيمته،
يأتي الحقول فيرويها ويحميها.
فما تعكّر إلاّ وهو منحبس،
والنفس كالماء تحكيه ويحكيها.
ألسجن للماء يؤذيه ويفسده،
والسجن للنفس يؤذيها ويضنيها.
وانظر إلى النار، إنّ الفتك عادتها،
لكنّ عادتها الشنعاء ترديها.
تفني القرى والمغاني ضاحكة،
لجهلها أنّ ما تفنيه يفنيها.
أرسلت قولي تمثيلاً وتشبيهاً،
لعلّ في القول تذكيرًا وتنبيها.
لا شيء يدرك في الدنيا بلا تعب،
من اشتهى الخمر فليزرع دواليها.
قصيدة أما في هذه الدنيا كريم
- يقول المتنبي:
أمَا في هَذِهِ الدّنْيَا كَرِيمُ
تَزُولُ بِهِ عنِ القَلبِ الهُمومُ
أمَا في هَذِهِ الدّنْيَا مَكَانٌ
يُسَرّ بأهْلِهِ الجارُ المُقيمُ
تَشَابَهَتِ البَهَائِمُ وَالعِبِدّى
عَلَيْنَا وَالمَوَالي وَالصّميمُ
وَمَا أدري إذَا داءٌ حَديثٌ
أصَابَ النّاسَ أمْ داءٌ قَديمُ
حَصَلتُ بأرْضِ مِصرَ على عَبيدٍ
كَأنّ الحُرّ بَينَهُمُ يَتيمُ
كَأنّ الأسْوَدَ اللابيّ فيهِمْ
غُرَابٌ حَوْلَهُ رَخَمٌ وَبُومُ
أخَذْتُ بمَدْحِهِ فَرَأيْتُ لَهْواً
مَقَالي لِلأُحَيْمِقِ يا حَليمُ
وَلمّا أنْ هَجَوْتُ رَأيْتُ عِيّاً
مَقَاليَ لابنِ آوَى يا لَئِيمُ
فَهَلْ مِنْ عاذِرٍ في ذا وَفي ذا
فَمَدْفُوعٌ إلى السّقَمِ السّقيمُ
إذا أتَتِ الإسَاءَةُ مِنْ وَضِيعٍ
وَلم ألُمِ المُسِيءَ فَمَنْ ألُومُ.