أجمل قصائد الشاعر أبو الطيب المتنبي

الحب لا يعيق الألسن عن الحديث

من قصائد الشاعر المتنبي في حبّه:

الحُبُّ لا يَمنَعُ الكَلامَ عن الألسُنِ،

وألذُّ شَكوى عاشقٍ لم يُعلِن.

ليتَ الحبيبَ الذي هجرنا كانَ هجرهُ

من غيرِ جُرمٍ يواصلُ صلةَ الضّنَى.

بتنا، ولَو حَلَّينا، لم تعرفْ

ألوانُنا من آثارِ تلوّننا.

وتوقدت أنفاسُنا حتى لقد

شَفَقْتُ أنْ تحترقَ العواذلُ بيننا.

أفدي المُودَّعةَ التي أتبعتُها

نظراً فرادى بين زفراتِ ثنا.

أنكرتُ طارقةَ الحوادثِ مرّةً،

ثم اعترفتُ بها وصارت ديدني.

وقطعتُ في الدنيا الفلا ورِكائبي

فيها ووقتيّ الضحى والمُوهِن.

فوقفتُ منها حيث أوقفني الندى،

وبلغتُ من بدرِ بنِ عمار المُنى.

لأبي الحسينِ جدٌّ يضيقُ وعاؤهُ

عنهُ ولو كانَ الوعاءُ الأزمنة.

وشجاعةٌ أغنتهُ عن ذكرها،

ونهى الجبانَ حديثُها أن يجبن.

نُيطتْ حمائلُهُ بعاتقِ محرابٍ،

ما كرَّ قط وهل يكرُّ وما انثنى.

فكأنّهُ والطعنُ من قدامه،

متخوف من خلفهِ أن يُطعن.

نفتِ التوهّمَ عنه حدّةُ ذهنهِ،

فقضى على غيبِ الأمور تيقّنه.

يتفزعُ الجبّارُ من بغتاته،

فيظلُّ في خلاواته متكفّناً.

أمضى إرادته فسوْفَ له قدٌّ

واستقرَبَ الأقصى فثَمَّ له هنا.

يجدُ الحديدَ على بُضاضةِ جلدهِ،

ثوباً أخفّ من الحريرِ وألينا.

وأمرُّ من فقدِ الأحبة عندهُ،

فقدُ السيوفِ الفائقاتِ الأجفُن.

لا يستكن الرعبُ بين ضلوعهِ

يوماً ولا الإحسانُ أن لا يُحسن.

مستنبتٌ من علمهِ ما في غدٍ،

فكأنّ ما سيكون فيه دُوِّنَ.

تتقصّر الأفهامُ عن إدراكهِ،

مثلَ الذي الأفلاكُ فيه والدنيا.

من ليس من قتلاهُ من طُلَقائه،

من ليس ممن دانَ ممن حُيّن.

لمّا قفَلْتَ من السواحلِ نحونا،

قفَلَتْ إليها وحشةٌ من عندنا.

أرجَ الطّريق فما مررتَ بمَوضعٍ

إلا أقامَ به الشذا مستوطناً.

لو تعقل الأشجارُ التي قابلتها،

مدّتْ محييةً إليك الأغصُن.

سَلَكتْ تماثيلَ القبابِ الجِنُّ من

شوقٍ بها فأدَرْنَ فيكَ الأعْيُن.

طربتْ مراكبُنا فخلنا أنها

لو لا حياءٌ عاقَها رقصت بنا.

أقبلتَ تبتسمُ والجِيادُ عَوَابِسٌ

يخُبْنَ بالحَلَقِ المُضاعَفِ والقَنَا.

عقدتْ سنابكُها عليها عِثْيَراً،

لو تبتغي عنقاً عليه لأمكنّا.

الأمرُ أمركَ والقلوبُ خوافقٌ

في موقفٍ بينَ المنيّةِ والمُنى.

فعجبتُ حتى ما عَجبتُ من الظُّبى،

ورأيْتُ حتى ما رأيْتُ منَ السُّنَى.

إنّي أراكَ منَ المكارمِ عَسكرٌ

في عسكرٍ ومنَ المعالي معدنٌ.

فطَنَ الفؤادُ لما أتيتُ على النوى،

ولِما تركتُ مخافةً أن تَفطن.

أضحى فراقُكَ لي عليه عُقوبةً

ليس الذي قاسَيْتُ منهُ هيناً.

فاغفرْ فِدًى لكَ واحبني من بعدها،

لتخصّني بعطيةٍ مِنَها أنا.

وانهَ المُشيرَ عليكَ فيّ بظلَّةٍ

فالحُرُّ مُمْتَحَنٌ بأولادِ الزنى.

وإذا الفتى طرحَ الكلام مُعرّضاً

في مجلسٍ أخذَ الكلامَ اللذْ عَني.

ومكَائدُ السفهاءِ واقعةٌ بهم،

وعَداوةُ الشعراءِ بئسَ المُقتنى.

لُعنتْ مُقارَنةُ اللئيمِ فإنّها

ضَيْفٌ يجرُّ منَ النّدامةِ ضيفنا.

غضَبُ الحسودِ إذا لقيتُكَ راضياً،

رزءٌ أخفُّ عليّ من أن يُوزنا.

أمسى الذي أمسى برَبّكَ كافراً

من غيرِنا معَنا بفضلِكَ مؤمناً.

خلَتِ البلادُ من الغزالَةِ ليلَها،

فأعاضَهاكَ الله كي لا تحزن.

ألا لا أرى الأحداث مدحاً ولا ذمّاً

المتنبي يرثي جدّته في القصيدة التالية:

ألا لا أُري الأحداثَ مَدحاً ولا ذَمّاً،

فما بطشُها جَهلاً ولا كفُّها حِلماً.

إلى مثلِ ما كانَ الفتى مرجعُ الفتى،

يعودُ كما أُبدي ويُكرِي كما أرْمَى.

لكِ الله من مفجُوعةٍ بحبيبِها

قتيلةِ شوقٍ غيرِ مُلحِقِها وصمَا.

أحِنُّ إلى الكأسِ التي شربتْ بها،

وأهوى لمثواها الترابَ وما ضمّا.

بكيتُ عليها خيفةً في حياتها،

وذَاقَ كِلانا ثُكلَ صاحبِه قِدماً.

ولو قتلَ الهجرُ المحبينَ كُلهم،

مضَى بلدٌ باقٍ أجَّدتْ له صرماً.

عرفتُ الليالي قبل ما صنعتْ بنا،

فلما دَهَتْني لم تزدني بها علماً.

منافعُها ما ضَرّ في نفعِ غيرها،

تغذّى وتَرْوَى أن تجوعَ وأن تظمَا.

أتاها كتابي بعد يأسٍ وترحَةٍ،

فماتتْ سروراً بي فمُتُّ بها غمّاً.

حرامٌ على قلبي السرورُ فإنني

أعدُّ الذي ماتتْ به بعدَها سُمّاً.

تعجّبُ من لفظي وخَطّي كأنّما،

ترى بحروفِ السطرِ أغمُرَةً عُصماً.

وتَلثِمُهُ حتى أصارَ مِدادُهُ

مَحاجِرَ عَيْنَيْها وأنيابَها سُحماً.

رَقَ دمعُها الجاري وجفّتْ جفونها،

وفارَقَ حُبّي قلبَها بعدَمَا أدمى.

ولم يُسْلها إلا المَنَايا وإنما،

أشَدُّ منَ السُّقمِ الذي أذهَبَ السُقْماً.

طَلَبْتُ لها حَظّاً فَفاتتْ وفاتَني،

وقد رَضِيَتْ بي لو رَضيتُ بها قِسماً.

فأصبَحتُ أستسقي الغمامَ لقبرِها،

وقد كنتُ أستسقي الوَغَى والقنا الصُمّ.

وكنتُ قبيلَ الموتِ أستَعظِمُ النوى،

فقد صارتِ الصغرى التي كانتِ العظمى.

هبيني أخذتُ الثأرَ فيكِ منِ العُدَى،

فكيفَ بأخذِ الثأرِ فيكِ منِ الحُمّى.

وما انسدّتِ الدنيا عليّ لضِيقِها،

ولكنّ طَرْفاً لا أراكِ به أعمَى.

يا سيف دولة دين الله دم أبداً

المتنبي يمدح سيف الدولة:

يا سيفَ دولةِ دينِ اللهِ دُم أبداً،

وعش برغم الأعداء عيشةً رغداً.

هل أذهَلَ الناسَ إلا خيمةٌ سقطَت،

من المكارمِ حتى ألقت العمَداء.

خرّت لوجهكَ نحو الأرض ساجدةً،

كما يَخرُّ لوجهِ الله مَن سجد.

أبا عبد الإله معاذ إني

قصيدة للمتنبي في العتاب:

أبا عبد الإله مُعاذٌ إني

خفيٌّ عنك في الهيجاء مَقامي.

ذكرتُ جسيمَ ما طلبتُ وأنا

نُخاطرُ فيهِ بالمهجِ الجِسام.

أمثلي تأخذُ النّكباتُ منهُ،

ويَجزعُ من ملاقاة الحِمام.

ولو بَرَزَ الزمانُ إليّ شخصاً،

لخضّبَ شعرَ مفرِقِهِ حسامي.

وما بلغت مشيئتَها الليالي،

ولا سارتَ وفي يدِها زِمامي.

إذا امتَلأت عُيونُ الخيلِ مني،

فَوَيلٌ في التَيَقُظِ والمَنام.

إذا عزم الخليط رحيلا

مدح المتنبي بدر بن عمّار في القصيدة الآتية:

في الخَدّ إنْ عَزَمَ الخليطُ رحيلا،

مطرٌ تزيدُ بهِ الخدودُ مُحُولا.

يا نظرةً نَفَتِ الرقادَ وغادَرَتْ،

في حدِّ قلبي ما حَيِيتُ فُلولا.

كانت من الكحلاءِ سُؤلي إنما،

أجلي تمثُّلَ في فؤادي سُولا.

أجدُ الجفاءَ على سِواكَ مروءَةً،

والصبرَ إلاّ في نواكَ جميلاً.

وأرَى تَدَلُّلكَ الكثيرَ مُحبَّباً،

وأرَى قليلَ تَدَلُّلٍ مملُولا.

حدَقُ الحِسانِ من الغواني هِجنَ لي،

يومَ الفراقِ صبابَةً وغليلاً.

حدَقٌ يُذمّ من القاتلِ غيرَها،

بدر بن عمارِ بن إسماعيلَ.

ألفارِجُ الكُربَ العظامَ بمثلِها،

والتارِكُ الملكَ العزيزَ ذليلاً.

محكٌ إذا مطَلَ الغريمُ بدَيْنِهِ،

جعلَ الحُسامَ بما أرادَ كفيلاً.

نطِقٌ إذا حطّ الكلامُ لثامهُ،

أعطى بمنطقهِ القلوبَ عُقولاً.

أعدى الزمانَ سخاؤهُ فسَخَا بهِ،

ولقدْ يكونُ به الزمانُ بَخيلاً.

وكأنّ برْقاً في متونِ غمامةٍ،

هِنْديّه في كفّهِ مسلولاً.

ومحلُّ قائِمِه يَسيلُ مَواهِباً،

لو كنّا سَيْلاً ما وجدْنَا مَسيلًا.

رَقّتْ مضارِبُه فَهُنّ كأنّمَا،

يُبْدينَ مِنْ عِشقِ الرّقابِ نُحُولا.

أمعفّرَ اللّيْثِ الهزبرِ بسوطهِ،

لمَنِ ادّخَرْتَ الصارمَ المَصقُولا.

وقعتْ على الأُردنِّ منهُ بليّةٌ،

نُضِدَتْ بها هامُ الرّفاقِ تُلوُلا.

وردٌ إذا وردَ البحيرةَ شارباً،

وردَ الفراتَ زئيرُهُ والنّيلا.

متخضبٌ بدَمِ الفوارسِ لابِسٌ،

في غيلِهِ من لبدَتيه غيلا.

ما قوبِلَتْ عَيْناهُ إلا ظُنّتَا،

تحتَ الدجى نارَ الفريقِ حُلُولا.

في وحدَةِ الرُهْبانِ إلاّ أنّهُ،

لا يعرفُ التّحريمَ والتّحليلا.

يَطأُ الثُّرَى مترفِقاً من تيهِ،

فكأنّهُ آسٌ يَجُسّ عَلِيلا.

ويردّ عُفرتَه إلى يأفُوخِهِ

حتى تَصيرَ لرأسِه إكليلا.

وتظنّهُ مما يُزَمْجِرُ نفسُهُ

عَنْها لشِدَّةِ غيظِهِ مشغُولا.

قَصَرَتْ مخافةُهُ الخُطى فكأنّما

رَكبَ الكَميُّ جَوادَهُ مشكُولا.

Scroll to Top