أحمد شوقي في مدينة دمشق

قصيدة نكبة دمشق لأحمد شوقي

فيما يلي نص قصيدة “نكبة دمشق”:

المقطع الأول

سلامٌ من صبا برَدى أرقُّ

وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُومَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي

جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّوَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي

إِلَيكِ تَلَفُّتٌ أَبَدًا وَخَفقُوَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ اللَيالي

جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُدَخَلتُكِ وَالأَصيلُ لَهُ اِئتِلاقٌ

وَوَجهُكِ ضاحِكُ القَسَماتِ طَلقُوَتَحتَ جِنانِكِ الأَنهارُ تَجري

وَمِلءُ رُباكِ أَوراقٌ وَوُرْقُوَحَولي فِتيَةٌ غُرٌّ صِباحٌ

لَهُم في الفَضلِ غاياتٌ وَسَبقُعَلى لَهَواتِهِم شُعَراءُ لُسنٌ

وَفي أَعطافِهِم خُطَباءُ شُدقُرُواةُ قَصائِدي فَاعجَب لِشِعرٍ

بِكُلِّ مَحَلَّةٍ يَرويهِ خَلقُغَمَزتُ إِباءَهُمْ حَتّى تَلَظَّتْ

أُنوفُ الأُسدِ وَاضطَرَمَ المَدَقُّوَضَجَّ مِنَ الشَكيمَةِ كُلُّ حُرٍّ

أَبِيٍّ مِن أُمَيَّةَ فيهِ عِتقُلَحاها اللهُ أَنباءً تَوالَتْ عَلى

سَمعِ الوَلِيِّ بِما يَشُقُّيُفَصِّلُها إِلى الدُنيا بَريدٌ

وَيُجمِلُها إِلى الآفاقِ بَرقُتَكادُ لِرَوعَةِ الأَحداثِ فيها

تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُوَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ

وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ

المقطع الثاني

أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا

وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّصَلاحُ الدينِ تاجُكَ لَم يُجَمَّلْ

وَلَمْ يوسَمْ بِأَزيَنَ مِنهُ فَرقُوَكُلُّ حَضارَةٍ في الأَرضِ طالَتْ

لَها مِن سَرحِكِ العُلوِيِّ عِرقُسَماؤُكِ مِن حُلى الماضي كِتابٌ

وَأَرضُكِ مِن حُلى التاريخِ رَقُّبَنَيتِ الدَولَةَ الكُبرى وَمُلكًا

غُبارُ حَضارَتَيهِ لا يُشَقُّلَهُ بِالشامِ أَعلامٌ وَعُرسٌ

بَشائِرُهُ بِأَندَلُسٍ تَدُقُّرُباعُ الخلدِ وَيحَكِ ما دَهاها

أَحَقٌّ أَنَّها دَرَسَت أَحَقُّوَهَل غُرَفُ الجِنانِ مُنَضَّداتٌ

وَهَل لِنَعيمِهِنَّ كَأَمسِ نَسقُوَأَينَ دُمى المَقاصِرِ مِن حِجالٍ

مُهَتَّكَةٍ وَأَستارٍ تُشَقُّبَرَزنَ وَفي نَواحي الأَيكِ نارٌ

وَخَلفَ الأَيكِ أَفراخٌ تُزَقُّإِذا رُمنَ السَلامَةَ مِن طَريقٍ

أَتَت مِن دونِهِ لِلمَوتِ طُرقُبِلَيلٍ لِلقَذائِفِ وَالمَنايا

وَراءَ سَمائِهِ خَطفٌ وَصَعقُإِذا عَصَفَ الحَديدُ احمَرَّ أُفقٌ

عَلى جَنَباتِهِ وَاسوَدَّ أُفقُسَلي مَن راعَ غيدَكِ بَعدَ وَهنٍ

أَبَينَ فُؤادِهِ وَالصَخرِ فَرقُوَلِلمُستَعمِرينَ وَإِن أَلانوا

قُلوبٌ كَالحِجارَةِ لا تَرِقُقَماكِ بِطَيشِهِ وَرَمى فَرَنسا

أَخو حَربٍ بِهِ صَلَفٌ وَحُمقُإذا ما جاءَهُ طُلّابُ حَقٍّ

يَقولُ عِصابَةٌ خَرَجوا وَشَقّوا

دَمُ الثُوّارِ تَعرِفُهُ فَرَنسا

وَتَعلَمُ أَنَّهُ نورٌ وَحَقُّ

جَرى في أَرضِها فيهِ حَياةٌ

كَمُنهَلِّ السَماءِ وَفيهِ رِزقُ

بِلادٌ ماتَ فِتيَتُها لِتَحيا

وَزالوا دونَ قَومِهِمُ لِيَبقواوَحُرِّرَتِ الشُعوبُ عَلى قَناها

فَكَيفَ عَلى قَناها تُستَرَقُّبَني سورِيَّةَ اطَّرِحوا الأَماني

وَأَلقوا عَنكُمُ الأَحلامَ أَلقوافَمِن خِدَعِ السِياسَةِ أَن تُغَرّوا

بِأَلقابِ الإِمارَةِ وَهيَ رِقُّوَكَمْ صَيَدٍ بَدا لَكَ مِن ذَليلٍ

كَما مالَتْ مِنَ المَصلوبِ عُنقُفُتوقُ المُلكِ تَحدُثُ ثُمَّ تَمضي

وَلا يَمضي لِمُختَلِفينَ فَتقُنَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا

وَلَكِن كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُوَيَجمَعُنا إِذا اختَلَفَت بِلادٌ

بَيانٌ غَيرُ مُختَلِفٍ وَنُطقُ

المقطع الثالث

وَقَفتُمْ بَينَ مَوتٍ أَو حَياةٍ

فَإِن رُمتُمْ نَعيمَ الدَهرِ فَاشْقَواوَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ

يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّوَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا

إذا الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقواوَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا

وَلا يُدني الحُقوقَ وَلا يُحِقُّفَفي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ

وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُوَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ

بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّجَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشقٍ

وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُنَصَرتُمْ يَومَ مِحنَتِهِ أَخاكُمْ

وَكُلُّ أَخٍ بِنَصرِ أَخيهِ حَقُّوَما كانَ الدُروزُ قَبيلَ شَرٍّ

وَإِن أُخِذوا بِما لَم يَستَحِقّواوَلَكِن ذادَةٌ وَقُراةُ ضَيفٍ

كَيَنبوعِ الصَفا خَشُنوا وَرَقُّوالَهُم جَبَلٌ أَشَمُّ لَهُ شَعافٌ

مَوارِدُ في السَحابِ الجُونِ بُلقُلِكُلِّ لَبوءَةٍ وَلِكُلِّ شِبلٍ

نِضالٌ دونَ غايَتِهِ وَرَشقُكَأَنَّ مِنَ السَمَوأَلِ فيهِ شَيئًا

فَكُلُّ جِهاتِهِ شَرَفٌ وَخَلقُ.

قصيدة عن دمشق لنزار قباني

فرشتُ فوقَ ثراكِ الطاهـرِ الهدبـا

فيا دمشـقُ… لماذا نبـدأ العتبـا؟حبيبتي أنـتِ… فاستلقي كأغنيـةٍ

على ذراعي، ولا تستوضحي السبباأنتِ النساءُ جميعاً.. ما من امـرأةٍ

أحببتُ بعدك..ِإلا خلتُها كـذبايا شامُ، إنَّ جراحي لا ضفافَ لها

فامسحي عن جبيني الحزنَ والتعباوأرجعيني إلى أسـوارِ مدرسـتي

وأرجعي الحبرَ والطبشورَ والكتباتلكَ الزواريبُ كم كنزٍ طمرتُ بها

وكم تركتُ عليها ذكرياتِ صـباوكم رسمتُ على جدرانِها صـوراً

وكم كسرتُ على أدراجـها لُعباأتيتُ من رحمِ الأحزانِ… يا وطني

أقبّلُ الأرضَ والأبـوابَ والشُّـهباحبّي هـنا.. وحبيباتي ولـدنَ هـنا

فمـن يعيـدُ ليَ العمرَ الذي ذهبا؟أنا قبيلـةُ عشّـاقٍ بكامـلـها

ومن دموعي سقيتُ البحرَ والسّحُبافكـلُّ صفصافـةٍ حّولتُها امـرأةً

وكـلُّ مئذنـةٍ رصّـعتُها ذهـباهـذي البساتـينُ كانت بينَ أمتعتي

لما ارتحلـتُ عـن الفيحـاءِ مغتربافلا قميصَ من القمصـانِ ألبسـهُ

إلا وجـدتُ على خيطانـهِ عنباكـم مبحـرٍ.. وهمومُ البرِّ تسكنهُ

وهاربٍ من قضاءِ الحبِّ ما هـربايا شـامُ، أيـنَ هما عـينا معاويةٍ

وأيـنَ من زحموا بالمنكـبِ الشُّهبافلا خيـولُ بني حمـدانَ راقصـةٌ

زُهــواً… ولا المتنبّي مالئٌ حَـلباوقبـرُ خالدَ في حـمصٍ نلامسـهُ

فـيرجفُ القبـرُ من زوّارهِ غـضبايا رُبَّ حـيٍّ.. رخامُ القبرِ مسكنـهُ

ورُبَّ ميّتٍ.. على أقدامـهِ انتصـبايا ابنَ الوليـدِ.. ألا سيـفٌ تؤجّرهُ؟

فكلُّ أسيافنا قد أصبحـت خشـبادمشـقُ، يا كنزَ أحلامي ومروحتي

أشكو العروبةَ أم أشكو لكِ العربا؟أدمـت سياطُ حزيرانَ ظهورهم

فأدمنوها.. وباسوا كفَّ من ضرباوطالعوا كتبَ التاريخِ.. واقتنعوا

متى البنادقُ كانت تسكنُ الكتبا؟سقـوا فلسطـينَ أحلاماً ملوّنةً

وأطعموها سخيفَ القولِ والخطباوخلّفوا القدسَ فوقَ الوحلِ عاريةً

تبيحُ عـزّةَ نهديها لمـن رغِبـا..هل من فلسطينَ مكتوبٌ يطمئنني

عمّن كتبتُ إليهِ.. وهوَ ما كتبا؟وعن بساتينَ ليمونٍ، وعن حلمٍ

يزدادُ عنّي ابتعاداً.. كلّما اقترباأيا فلسطينُ.. من يهديكِ زنبقةً؟

ومن يعيدُ لكِ البيتَ الذي خربا؟شردتِ فوقَ رصيفِ الدمعِ باحثةً

عن الحنانِ، ولكن ما وجدتِ أبا..تلفّـتي… تجـدينا في مَـباذلنا..

من يعبدُ الجنسَ، أو من يعبدُ الذهبافواحـدٌ أعمـتِ النُعمى بصيرتَهُ

فانحنى وأعطى الغـواني كـلُّ ما كسباوواحدٌ ببحـارِ النفـطِ مغتسـلٌ

قد ضاقَ بالخيشِ ثوباً فارتدى القصباوواحـدٌ نرجسـيٌّ في سـريرتهِ

وواحـدٌ من دمِ الأحرارِ قد شرباإن كانَ من ذبحوا التاريخَ هم نسبي

على العصـورِ.. فإنّي أرفضُ النسبايا شامُ، يا شامُ، ما في جعبتي طربٌ

أستغفرُ الشـعرَ أن يستجديَ الطرباماذا سأقرأُ مـن شعري ومن أدبي؟

حوافرُ الخيلِ داسـت عندنا الأدباوحاصرتنا.. وآذتنـا.. فلا قلـمٌ

قالَ الحقيقةَ إلا اغتيـلَ أو صُـلبايا من يعاتبُ مذبوحـاً على دمـهِ

ونزفِ شريانهِ، ما أسهـلَ العـتبامن جرّبَ الكيَّ لا ينسـى مواجعهُ

ومن رأى السمَّ لا يشقى كمن شرباحبلُ الفجيعةِ ملتفٌّ عـلى عنقي

من ذا يعاتبُ مشنوقاً إذا اضطربا؟الشعرُ ليـسَ حمامـاتٍ نـطيّرها

نحوَ السماءِ، ولا ناياً.. وريحَ صَبالكنّهُ غضـبٌ طـالت أظـافـرهُ

ما أجبنَ الشعرَ إن لم يركبِ الغضب

Scroll to Top