فهم الدعوة
تستند الدعوة إلى الله على أسس ثابتة وتتبنى أساليب الأنبياء، حيث أكملها رسول الله محمد، خاتم الأنبياء والمرسلين. وفيما يلي توضيح لمفهوم الدعوة من الناحيتين اللغوية والاصطلاحية:
- الدعوة لغوياً: تعني “مشتقة من الفعل الثلاثي دعا يدعو دعوة، والاستخدام الشائع لها هو الدعوة، والفاعل بها يُعرف بالداعية، ويُجمع على دعاة. وتتعدد معاني كلمة الدعوة في اللغة، فتشمل النداء، الطلب، التجمع، الدعاء، السؤال، والاستمالة؛ كما عَبّر الزمخشري بقوله: “دعوت فلاناً وبفلان ناديته وصحت به”.
- الدعوة اصطلاحاً: تُعرّف بأنها فن نشر الإسلام وتبليغه للناس بأسلوب جذاب، وذلك لإنقاذهم من الضلال والشر، وتحذيرهم من الوقوع في الموبقات على مر الزمن وفي أي مكان. يستفيد الدعاة من سيرة الرسول الكريم في القول والعمل، داعين إلى توحيد الله -تعالى- ومقرّين بالشهادتين، وينفذون أوامر الله كما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث تعتبر عملية نشر هذا الدين.
أساليب الدعوة
تعرف الأساليب في اللغة على أنها الطرق أو المناهج، بينما في الاصطلاح تعني الطرق التي يتبعها الداعية في دعوته. وفيما يلي توضيح لبعض هذه الأساليب:
- الأساليب الوجدانية (العاطفية): تستخدم الوعظ والتذكير والترغيب والترهيب وتأثير العواطف الإيمانية.
- الأساليب العقلية: تدعو إلى التفكر والتأمل وأخذ العبرة، وتشمل المقارنة بين الخير والشر، وأسلوب المناظرة والتحليل العقلي، والرد على الشبهات.
- الأساليب المستندة إلى التجربة: تشمل القدوة الحسنة، وذكر تجارب الماضي، والمعاملة الطيبة مع المدعوين.
- أساليب عامة: تشمل جميع ما سبق، وأيضاً الخطابة المباشرة، القصص، التعليم، والمسابقات بالسؤال والجواب.
حكم الدعوة وفضلها
تعتبر الدعوة إلى الله واجباً بموجب ما ورد في القرآن والسنة، حيث يقول الله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). ويقول أيضاً: (ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ). واضح أن هذه النصوص تؤكد على أهمية اتباع منهج الرسول في الدعوة. أشار العلماء إلى أن الدعوة فرض كفاية يتوجب على جميع أفراد المجتمع القيام بها؛ فإذا تركها جماعة، أثمت جميعهم.
وسائل الدعوة
يمكن تصنيف الوسائل التي يعتمدها الداعية إلى ثلاثة أقسام:
- وسيلة معنوية: تتعلق بقدرات الداعية في التخطيط والصبر والاحتساب وحب الآخرين، وهذه تأتي من الفطرة ثم بالاكتساب.
- وسيلة خاصة: ترتبط بالسلطة وولي الأمر، بما في ذلك الجهاد في سبيل الله، فهو من وسائل الدعوة، بالإضافة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المسائل التي لا ينبغي للعامة التعامل معها، لتجنب الفوضى والنزاع.
- وسائل عامة: تشمل الآتي:
- تأليف الكتب.
- كتابة الرسائل القصيرة التي تتناول قضايا في العقيدة، الفقه، الأخلاق وغيرها.
- المقدمات لمؤلفات الآخرين.
- الصحف والمجلات.
- الإنترنت بما يشمله من غرف الدردشة وغيرها.
- التعليم في المدارس، حلقات القرآن، أو المساجد.
- الخطبة المدروسة والمتميزة.
- المواعظ المناسبة للأوقات الاجتماعية.
- المحاضرات المبنية على الحقائق العلمية.
- الندوات التي تتم بمشاركة عدة أفراد.
- وسائل الإعلام مثل الإذاعة والتلفزيون.
- المؤسسات الدعوية والخيرية.
أخلاق الداعية
من أهم الطرق للحصول على قلوب الناس هي الأخلاق الرائعة، وقد تم وصف رسول الله بالأخلاق الكريمة في القرآن بقوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ). كما جاء في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهمَّ حسَّنتَ خَلْقي فحسِّنْ خُلُقي). لقد قدمت حياة الرسول وسيرته نموذجاً للأخلاق الحميدة. ومن أبرز هذه الصفات:
- الصدق.
- الصبر.
- التواضع.
- العدل.
- العاطفة الحية.
- الطموح.
أصول الدعوة إلى الله
تتضمن الدعوة أصولاً، تماماً كما تفعل العبادة. ومن أبرز أصول الدعوة:
- إخلاص النية لله تعالى واتباع منهج الرسول.
- عالمية الدعوة، بحق، بالحكمة والموعظة الحسنة.
- الدعوة في جميع الأماكن، سواء كانت المدن الكبرى أو القرى أو الأسواق.
- ممارسة الدعوة في جميع الأوقات، ليلاً ونهاراً.
- الدعوة في كل الظروف، سواء في حالات الأمن أو الخوف، الغنى أو الفقر.
- الدعوة بغية النفع، دون انتظار أجر آخر، لأن الأجر على الله.
- الدعوة بالإحسان.
- كون الداعية قدوة في سلوكه.
- عرض الدعوة برفق ولين وعدم احتقار الآخرين.
الحكمة من الدعوة
أرسل الله الأنبياء والرسل لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية ينبغي للداعية اتباعها:
- تقديم التعريف بالله، وأسمائه، وصفاته، وعظمته، من خلال بيان أن الله هو الخالق العظيم، الواحد، المالك المتصرف في أمور خلقه، وهو الرازق والمستحق للعبادة.
- الدعوة للتوعية بشأن يوم القيامة وأحداثه، لتشجيع الإيمان والأعمال الصالحة.
- الدعوة لتوضيح أحكام الدين الشرعية المتعلقة بالحلال والحرام، والعبادات، والمعاملات، والواجبات.
عقوبة ترك الدعوة إلى الله
تعتبر الدعوة من أسمى المهام، وتترتب على تركها العديد من العقوبات، منها:
- الاستبدال: يقول الله تعالى: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم).
- اللعن والحرمان من رحمة الله: حيث يقول: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ …).
- العداوة والبغضاء، كما ورد: (أَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ).
- التدمير والهلاك، كما يقول الله: (فَلَمّا نَسوا ما ذُكِّروا بِهِ … فَقُطِعَ دابِرُ القَومِ الَّذينَ ظَلَموا).
- الفرقة والخلاف: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا…).