أهداف وأغراض الشعر في الأندلس

الحنين إلى الوطن

يعدّ الحنين إلى الوطن من أبرز أغراض الشعر العربي القديم، حيث يعكس مشاعر الشوق والوطن والأقارب والأحباء. وقد بدأ هذا النوع من الشعر في العصر الأندلسي، حيث كان العديد من العرب الذين انتقلوا إلى الأندلس من الشعراء المتميزين. وتمحورت قصائد الحنين حول مجموعة متنوعة من المواضيع، بما في ذلك الشوق إلى الوطن.

ويصور الشاعر (ابن حمديس) شعوره بالحنين إلى صقلية بعد انتقاله إلى إفريقيا من خلال أبيات لها دلالة قوية، منها:

أَبَداً أُبَدِّدُ بِالنَّوى عَزمي إِلى

أَمَلٍ بِأَطرافِ البِلادِ مُبَدَّدِ

الهجاء

الهجاء هو فن شعري يتضمن انتقاد الأشخاص من خلال ذكر عيوبهم، ويتصف غالبًا بالسب والإهانة. يُعتبر هذا النوع من الفنون الأدبية جزءًا أساسيًا من الشعر العربي القديم، ويسلط الضوء على مشاعر الغضب أو الاحتقار. يُقسم الهجاء في الأندلس إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

الهجاء الشخصي

يُعتبر هذا النوع من الهجاء الأكثر شيوعًا، حيث بلغ بعض الشعراء فيه حدود الفحش والوقاحة. استخدم شعراء الأندلس هذا النوع من الهجاء للتندر على البخل والدناءة، وكان من أشهر هؤلاء الشعراء أبو بكر المخزومي، الذي هجا الشاعرة نزهون القلاعية التي سخرَت منه بقوله:

على وجهِ نزهونٍ من الحُسنِ مِسْحَةٌ

وتحت الثياب العارُ لو كان باديًا

الهجاء الاجتماعي

برز هذا النوع من الهجاء في فترة المرابطين، وكان يُعبر عن النقد الاجتماعي. العلاج من شتى الأصناف، ومن أبرز الشعراء في هذا النوع ابن خفاجة الأندلسي، ويحيى بن سهل اليكّي، الذي كان له صولات جريئة في هذا المجال، فقال في هجاء أصحاب اللثام:

فِي كُلِّ مَنْ رَبَطَ اللِّثَامَ دَنَاءَةً

وَلَوْ أَنَّهُ يَعْلُو عَلَى كِيْوَانِ

المُنْتَمُوْنَ لِحِمْيَرٍ لَكِنَّهُمْ

وضَعُوْا القُرُونَ مَوَاضِعَ التِيجَانِ

الهجاء السياسي

لم يكن الهجاء السياسي متطورًا كما في المشرق، لكنه ظهر في عدة نماذج قريبة من النقد السياسي. ومن أبرز تلك النماذج قصيدة لأبي إسحاق الألبيري، التي أنتجت ثورة في بلاده، حيث يعبّر فيها عن مغزى تولّي ابن النغريلة للوزارة بقوله:

فعزَّ اليهود به وانتخوا

وتاهوا وكانوا من الأرذلين

المدح

يُعتبر المدح جزءًا محوريًّا من الشعر العربي، حيث يبرز الشاعر فيه صفات ومكارم المدح المُمدوح، وقد ازدهر شعر المدح في الأندلس نتيجة للظروف الاجتماعية والسياسية السائدة، إذ كانت البلاد مقسمة إلى دويلات مستقلة. وبالتالي، فقد تنافس الشعراء في تقديم المدائح لتوثيق علاقتهم بالملوك والخلفاء والأمراء، ما يتيح لهم الحصول على النعم والمنافع.

ولقد تبع شعراء الأندلس في مدائحهم الطرق والأساليب التقليدية، مستخدمين الألفاظ ذاتها والمعاني المتداولة في بناء القصائد. وتنوعت موضوعات المدح لتشمل الصفات التقليدية مثل الشجاعة والكرم والمروءة، كما تميزت المدائح بالعناية بمراسم البداية والانتهاء، ووصف الأطلال والديار.

شاعرت مدائحهم أيضًا بالتملق دون الإسراف في استخدام الألفاظ الغريبة، ومن بين أشهر الشعراء في هذا المجال نجد ابن حمديس الصقلي، وابن هانئ الأندلسي، وابن دراج القسطلي، الذي مدح المنصور بن أبي عامر، فقال:

لكَ اللهُ بالنصرِ العزيز كفيل

أجدَّ مُقامٌ أم أجَدَّ رحيلُ

تحمَّلَ منه البحرُ بحرًا من القنا

يروعُ بها أمواجَهُ ويَهوُلُ

الغزل

يُعتبر الغزل من الفنون الشعرية التاريخية في الشعر العربي وأكثرها شيوعًا، إذ يعكس مشاعر الحب وتجارب الإنسان الخاصة. وقد عُرف الشعراء في الأندلس بشغفهم بالغزل نتيجة لتأثرهم بالطبيعة وببيئة الرفاهية من حولهم. يمكن تقسيم الغزل في العصر الأندلسي إلى عدة أصناف:

  • الغزل التقليدي: اتبعه الشعراء على نهج الشعراء السابقين، مشيرين إلى المناظر الطبيعية والعواصف التي تعيق الوصول إلى المحبوبة. على سبيل المثال، يقول ابن هانئ الأندلسي:

ذوات نُبل ضعاف، وهي قاتلة

وقد يُصيبُ كميّاً سهمُ رعديدِ

  • الغزل الصريح: يُعتبر غزلًا مكشوفًا يصف المرأة بطريقة حسية ويطلق دعوات إلى الفجور.
  • الغزل العفيف: يُعبّر عن الشوق والحرمان، ويتسم بالعاطفة القوية. كان ابن زيدون من أبرز شعراء الأندلس في هذا اللون، حيث شارك قصص حبه مع ولادة بنت المستكفي، إذ قال:

أنتِ مَعنى الضَنى وَسِرُّ الدُموعِ

وَسَبيلُ الهَوى وَقَصدُ الوَلوعِ

أنتِ وَالشَمسُ ضَرَّتانِ ولَكِن

لَكِ عِندَ الغُروبِ فَضلُ الطُلوعِ

  • الغزل بالنصرانيات: انتشر هذا النوع نظرًا للبيئة الأندلسية، وقد ارتبط حب ابن الحداد بفتاة عُرفت بلقب “نويّرة” وكانت تُسمى جميلة، إذ قال:

عساكِ بحق عيساكِ

مُريحةَ قلبيَ الشاكي

فإنَّ الحُسنَ قد ولاّ

كِ إحيائي وإهلاكي

وأولعني بصُلبانٍ

ورهبان ونُسّاكِ

  • الغزل الشاذ: وهو ما يُعرف أيضًا بالغزل بالمذكر، وكان ابن سهل الإسرائيلي من الشعراء الذين تغزلوا بالمذكر، حيث قال في غلام:

مرآكَ مرآكَ لا شمسٌ ولا قمرُ

ورود خديكَ لا وردٌ ولا زَهرُ

الاستغاثة

ظهر شعر الاستغاثة في الأدب الأندلسي كفن مستقل، حيث لم تتوسع المشارقة في هذا الجانبي. وقد أدى سقوط المدن الإسلامية بيد الإسبان نتيجة ضعف المسلمين إلى ظهور هذا النوع من الشعر، إذ بدأ الشعراء يبعثون قصائدهم إلى ملوك الإسلام ليتحركوا لنصرة إخوتهم في الأندلس. كان شعر الاستغاثة يسعى إلى استنهاض الهمم والرجال لنصرة المسلمين في ظل الأوقات العصيبة.

ومن بين هؤلاء شعراء الاستغاثة كان إبراهيم بن سهل، الذي نظم قصيدة في وقت محاصرة إشبيلية، فقال:

يا مَعشرَ العربِ الذين تَوارثُوا

شيمَ الحميةِ كابرًا عن كابرِ

إنَّ الإلهَ قد اشترى أرواحكم

بيعوا، ويهنكم ثوابُ المشتري

الوصف

كان شعر الوصف عند الأندلسيين يُعتبر عملاً فنيًا بديعًا، حيث كان شعراء الأندلس بارعين في هذا النوع. وقد ألهم جمال الأندلس، بما تحتويه من حدائق وأنهار ومناظر طبيعية، الشعراء لاختيار أفضل الكلمات وأوضح التعبيرات في قصائدهم. وتنوعت موضوعات الوصف لتشمل:

  • وصف الطبيعة: عُرف الشاعر ابن خفاجة كـ “شاعر الطبيعة”، خاصًة بسبب وصفه لجمال الأندلس، حيث كانت قصيدته في وصف الجبل من أجمل قصائد الوصف، قال فيها:

وأرعنَ طمّاحِ الذُؤابةِ بَاذخٍ

يُطاولُ أعنانَ السماءِ بغاربِ

يسدُّ مهبَّ الريحِ من كلّ وجهةٍ

ويزحمُ ليلاً شُهبهُ بالمناكبِ

  • وصف المعارك والحروب: أبدع الشاعر ابن عبد ربه في وصفها، حيث قال:

وجيشٍ كظهرِ اليمِّ تنحفهُ الصّبا

يعَبُّ عبابًا من قنا وقنابلِ

فتنزلُ أولاه وليس بنازلٍ

وترحلُ أُخراه وليس براحلِ

الرثاء

الرثاء هو تعبير عن الحزن لفقدان شخص ما، حيث يظهر فيه التأسف والحنين. تميز الأندلسيون برقة مشاعرهم وعاطفتهم، وتعددت أشكال الرثاء، حيث كان الشعراء يعبرون عن أحزانهم من خلال قصائدهم. الرثاء في العصر الأندلسي كان غالبًا يعكس مشاعر صادقة ووقعات حزينة. يمكن تقسيم مراثي الأندلسيين إلى خمس فئات:

رثاء النفس

كانت ظاهرة رثاء النفس نادرة في الشعر العربي، حيث عبر الشعراء عن مآسيهم الذاتية بصدق. وكان الملك المعتمد بن عباد قد رثى نفسه في قصيدة، حيث أراد أن تُكتب على قبره:

قَبرَ الغَريب سَقاكَ الرائِحُ الغادي

حَقّاً ظَفَرتَ بِأَشلاء ابن عَبّادِ

بِالحِلمِ بالعِلمِ بِالنُعمى إِذِ اِتّصلَت

بِالخَصبِ إِن أَجدَبوا بالري لِلصادي

رثاء الأقارب

كان يُعرف رثاء الأقارب عند الشعراء، حيث كانوا يُعبرون عن حزنهم على فقدان أحبائهم. ومن بين الفئات:

  • رثاء الأبناء:، وقد رثى المعتمد بن عباد ولديه اللذان قُتلا أثناء سجنه في أغمات، بقوله:

يقولونَ صبرًا! لا سبيل إلى الصبرِ

سأبكي وأبكي ما تطاولَ من عُمري

  • رثاء الآباء: وقد رثى ابن حمديس والده، قائلًا:

سقى اللهُ قبرَ أبي رحمةً

فسقياهُ رائحةٌ غاديه

بكيتُ أبي حقبةً والأسى

عليَّ شواهده باديه

  • رثاء الزوجات: وقد رثى ابن حمديس زوجته على لسان ابنه عمرو، بقوله:

أيُّ خطبٍ عن قوسه الموت يرمي

وسهامٌ تُصيبُ منه فتُصمي

رثاء المدن

اعتُبر رثاء المدن نوعاً مميزًا في الشعر الأندلسي، حيث قُسم إلى عدة مجالات:

  • رثاء المدن الذاهبة: سقوط طليطلة بيد الإفرنج سبّب صدمة كبيرة للمسلمين، وقد رثاها الشعراء بقصائد طويلة، ومن بينهم ابن خفاجة الذي رثى مدينة بلنسية بعد حصارها، حيث قال:

عاثتْ بساحتكِ العِدا يا دارُ

ومحا محاسِنَكِ البِلى والنارُ

  • رثاء الإمارات: رثى الشعراء الممالك التي سقطت بيد المرابطين، ومن أبرز القصائد رثاء الوزير ابن اللبانة لبني عباد، حيث قال:

تبكي السماءُ بدمعٍ رائحٍ غادي

على البهاليلِ من أبناء عبادِ

  • رثاء الأندلس: بعد سقوط الأندلس، كتب أبو البقاء الرندي أشهر قصيدة في رثاء الأندلس، حيث قال:

لكل شيءٍ إذا ما تمَّ نُقصانُ

فلا يُغرَّ بطيب العيش إنسانُ

Scroll to Top