قصيدة رحيل الحبيب وصبره
- تقول وردة اليازجي:
غادر الحبيب، وصبري يظهر قد رحل،
فمتى يعود إلى مسكنه الأول؟
وتتجلى الأرض التي حُجبت من بعده،
وتطمئن عيناي بلقاءٍ قبل الأجل.
سار الحبيب عن الديار مساءً،
وارتدى الليل ثيابًا على تلك الربوع.
لقد زاد صبري على الفراق تحسرًا،
وجسدي قد أصابه التعب من الإفتراق.
يا غائبًا، وقلبُي يسعى خلفك،
شوقي مُقيم في صدري كالجبل.
إن كنت قد غبت عن العيون مهاجرًا،
فجمال صورتك باقٍ في قلبي لم يزل.
يا بدرًا غبتَ عنا اليوم مغادرًا،
والبدور لا تغيب شهراً إن أفلَت.
ولئن منع اللقاء بيننا، فإنها
لن تمنع الكتب التي تخفف الغلل.
قصيدة فراق الحبيب
- يقول صقر النصافي:
يا قلب ضجر من فراق الغضا حن،
حنين يختلط في سوق العواطف.
تداخلت أصواتهن فتسجن،
وهن في وسط السوق ومشتهاه.
تطلبن حظهن مع الصغار ودون،
ولاهن باعن حب النماء في غيابٍ.
جعل العجائز يا ولي، لا يرين،
صم ومنخنق وعمي ومترددات.
يوم منهن في غيهن يستلجن،
ما همهن إلا الكحل والمرايا.
اليوم في دروب الهوى لا يعذرن،
يوم منهن بعد الغلا يتحسرن.
وددتُ لو كبرن وعادوا يشكن،
يشفهن ربي في باقي حياتي.
الاستعاذة ببدري من فراق الحبيب
- يقول البحتري:
أعوذ ببدر من فراق الحبيب،
ومن لوعة في أثاره ونحيب.
ومن فاجعت في فقدانه،
إذا شرعت فيه شغل قلوب.
يذهب قريب الدار والهجر دونه،
وربما كان قريب الدار غير قريب.
ومثل أبي النجم في فعله،
رثى لمشتاق أو أوى لبعيد.
فراق ومن فارقت غير مذموم
- يقول المتنبي:
فراقٌ وما فارقتُ غير مُذمَّم،
وأمّ وما يممتُ خير مُيمَّم.
وما منزل اللذات عندي بمنزلٍ،
إذا لم أُبَجَّل عنده وأُكرَّم.
سجيّة نفس ما تزال مُليحة،
من الضيم مرميًّا بها كل مخرم.
رحلتُ فكم باكبٍ بأجفان شادٍ،
عليَّ وكم باكبٍ بأجفان ضيغَم.
وما ربة القرط المليح مكانه،
بأجذع من رب الحسام المصفَّم.
فلو كان ما بي من حبيب مُقنَعٍ،
عذرتُ ولكن من حبيب مُعَمَّم.
رمي وأتقى رميي ومن دون ما اتقى،
هوى كاسر كفّي وقوسي وأسهمي.
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه،
وصدَّق ما يعتاده من توهم.
وعادى محبيه بقول عداته،
وأصبح في ليل من الشك مظلم.
أصادق نفس المرء من قبل جسمه،
وأعرفها في فعله والتكلم.
وأحلم عن خلي وأعلم أنه،
متى أجز له حلمًا على الجهل يندم.
وإن بذل الإنسان لي جود عابس،
جزيتُ بجود التارك المتبسم.
وأهوى من الفتيان كل سميدع،
نجيب كصدر السهيري المقوَّم.
خطت تحته العيس الفلاة وخالت،
به الخيل كبّات الخميس العرمرم.
ولا عفّة في سيفه وسنانه،
ولكنها في الكف والفرج والفم.
وما كل هاوٍ للجميلي بفاعل،
ولا كل فعّال له بمتمِّم.
فدىً لأبي المسك الكرام فإنها،
سابق خيل يهتدين بأدهَم.
أغر بمجدٍ قد شخَصن وراءه،
إلى خلق رحب وخلق مُطهَّم.
إذا منعت منك السياسة نفسها،
فقف وقفةً قدامه تتعلم.
يضيق على من رآه العذر أن يرى،
ضعيف المساعي أو قليل التكرم.
ومن مثل كافور إذا الخيل أحجمت،
وكان قليلاً من يقول لها اقتدمي.
شديد ثبات الطرف والنقع واصل،
إلى لهوات الفارس المتلثم.
أبا المسك أرجو منك نصراً على العدا،
وآمل عزًا يخضب البيض بالدم.
ويومًا يغيظ الحاسدين وحالةً،
أقيم الشقا فيها مقام التنعُم.
ولم أرج إلا أهل ذاك ومن يريد،
مواطر من غير السحائب يظلم.
فلو لم تكن في مصر ما سيرت نحوها،
بقلب المشوق المستهام المتيَّم.
ولا نبحَت خيلي كلاب قبائل،
كأن بها في الليل حملات ديلم.
ولا اتبعت آثارنا عين قائف،
فلم تر إلا حافرًا فوق منسَم.
وسمينا بها البيداء حتى تغمَّرَت،
من النيل واستذرت بظل المقطم.
وأبلَخ يعصي باختصاصي مشيرَهُ،
عصيت بقصدي مشيري ولومي.
فساق إليّ العرف غير مُكّدَر،
وسُقتُ إليه الشكر غير مجمجم.
قد اخترتك الأمالك فاختر لهم بنا،
حديثًا وقد حكمتُ رأيك فاحكم.
فأحسن وجهٍ في الورى وجه محسن،
وأيمن كفٍ فيهم كف مُنعِم.
وأشرفهم من كان أشرف همّة،
وأكبر إقدامًا على كل مُعظَم.
لمن تطلب الدنيا إذا لم تريد بها،
سرور محب أو إساءة مُجرم.
وقد وصل المهُر الذي فوق فخذِه،
من اسمك ما في كل عنق ومعصم.
لك الحيوان الراكب الخيل كلُّه،
وإن كان بالنيران غير موصم.
ولو كنت أدرى كم حياتي قسمتها،
وصيَّرت ثلثيها انتظارك فاعلم.
ولكن ما يمضي من العمر فائتٌ،
فجد لي بحظ البادر المتغنّم.
رضيت بما ترضى به لي محبَّةً،
وقُدتُ إليك النفسَ قود المسلم.
ومثلُك من كان الوسيط فؤاده،
فكلمه عني ولم أتكلم.
قصيدة تركت حبيب القلب لا عن ملالة
- يقول ابن سناء الملك:
تركت حبيب القلب لا عن ملالة،
ولكن لذنبٍ أوجب الأخذ بالترك.
أراد شريكًا في المودة بيننا،
وإيمان قلبي قد نهاني عن الشرك.
وإنّي منه في عقابيل طربهِ،
ويبقي ويمضي المسك رائحة المسك.
وكان حبيبي سلك عقد مودتي،
فيا ويلتا وواوحشة العقد للسلك.
قصيدة فرض الحب
- يقول مانع سعيد العتيبة:
فرض الحبيب دلاله وتمانع،
فأبى بغير عذابنا أن يقنع.
ما حيلتي وأنا المكبل بالهوى،
ناديتُه فأصرَّ ألا يسمع.
وعجبتُ من قلب يرق لظالم،
ويطيق رغم إبائِه أن يخضع.
فأجاب قلبي لا تلمني فالهوى،
قدرٌ وليس بأمرنا أن يُرفع.
والظلم في شرع الحبيب عدالة،
مهما جفا كنت المحب المولع.
ولقد طربت لصوته ودلاله،
واستحلتْ اللفتاتُ فيني الأضلعا.
البدر من وجه الحبيب ضياؤه،
والعطر من ورد الخدود تضوَّع.
والفجر يبزغ من بهاء جبينه،
والشمس ذابت في العيون لتسطع.
يا رب هذا الكون أنت خلقته،
وكسوته حسنًا فكنت المبدعا.
وجعلته ملكًا لقلبي سيدًا،
لما على عرش الجمال تربَّع.
سارت سفينة حبنا في بحره،
والقلب كان شراعها فتلوَّع.
لعبت بها ريح الهوى فتمايلت،
ميناؤها المنشود بات مضيَّع.
يا صاحبي خذ للحبيب رسالة،
فعسى يرى بين السطور الأدمع.
بلغه أني في الغرام متيّم،
والقلب من حر الفراق تصدّع.
ما في النوى خير لنرضى بالنوى،
بل أن كل الخير أن نحيامعًا.