أبرز شعراء المدح في العصر الجاهلي
برز في العصر الجاهلي العديد من الشعراء الذين اشتهروا بقصائد المدح، من بينهم: زهير بن أبي سلمى، وامرؤ القيس، والأعشى. إلا أن أبرز هؤلاء الشعراء هو النابغة الذبياني الذي كان معروفًا بشكل خاص بمدح ملوك الغساسنة.
تمثل قصائد المدح جزءًا من شعر المعلقات، حيث غالبًا ما تبدأ المعلقة بوصف الأطلال والحنين إلى الديار، ثم تسرد رحلة الشاعر، وفي نهاية المطاف ينتقل إلى الغرض الأساسي وهو المدح. ومن الأمثلة على ذلك معلقة زهير بن أبي سلمى التي ستذكر لاحقًا.
قام الشعراء بتأليف قصائد مدح تسلط الضوء على بطولات القبائل في الحروب وتثني على خصالهم الحميدة، مثل الكرم والضيافة وإغاثة الملهوفين. بينما قام شعراء آخرون بتنظيم قصائد في مدح الملوك والسادة بهدف تحصيل المال. وقد ساعد هذا الاتجاه على تطور شعر المديح ليصبح بديلاً تجاريًا، حيث كان الشعراء يسافرون إلى بلاط الملوك مدحًا لهم فيحصلون على الهدايا والعطايا.
زهير بن أبي سلمى
هو ربيعة بن رياح المزني، عاش في قبيلة أخواله بني غطفان، وشهد حرب داحس والغبراء بين قبيلتي داحس والغبراء.
يحتوي شعر زهير بن أبي سلمى على مدائح في معلقته، حيث يمدح (هرم بن سنان) و(الحارث بن عوف) لنجاحهما في إنهاء النزاع بين قبيلتي (عبس وذبيان) خلال حرب داحس والغبراء، ودفع الدية للطرفين. فيقول:
تداركتما عبْساً وذبيانَ بعدما
تفانوا ودقُّوا بينهم عِطرمَنْشِمِ
وقد قلتما إن تُدرِك السِّلمَ واسعاً
بمالٍ ومعروفٍ من الأمرِ نَسْلم
فأصبحتما منهما على خَيْرِ موطنٍ
بعيدَيْن فيهما من عُقوقٍ ومَأثَمِ
كما له قصيدة أخرى يمدح فيها شجاعة الحارث وهرم وسرعتهما في نجدة من يستغيث بهما، حيث يقول:
إذا فزِعوا طاروا إلى مُستغيثهم
طوال الرماحِ لا ضعاف ولا عُزلُ
بخيّلٍ عليها جنّةٌ عبقريّةٌ
جديرون يومًا أن ينالوا فَيَستَعْلوا
هم خيرُ حي من مَعَدٍ علمتُهم
لهم نائلٌ من قومهم ولهم فضلُ.
الأعشى
هو ميمون الأعشى، يعود نسبه إلى إحدى أكبر القبائل العربية المنتشرة في أرجاء الجزيرة العربية، وينتمي إلى فرع (سعد بن ضبيعة) التي شاركت في حرب البسوس. يُعرف بلقب الأعشى لضعف بصره، ثم أصابه العمى في أواخر عمره، كما لقب بـ(صَنَّاجة العرب) لأن شعره كان يتغنى به الجميع.
كان الأعشى كثير الوفود على ملوك العرب والفرس، وذو شعر غزيرِّ يعبر فيه عن مختلف الأغراض. ومن بين قصائده الشهيرة قصيدة في مدح (هوذة بن علي) سيد بني حنيفة، حيث يقول:
إلى هَوْذَةَ الوهَّاب أهديتُ مِدْحتي
أُرِجِّي نوالاً فاضلاً من عطائكا
سمعتُ برَحْبِ الباعِ والجود والنَّدى
فأدْلَيْتُ دَلْوي فاستقتْ برِشائكا
وأنت الذي عوّدتني أن تَرِيشني
وأنت الذي آويتَني في ظِلالكا.
النابغة الذبياني
هو زياد بن معاوية بن ضاب بن يربوع، من قبيلة ذبيان، ويُعرف بلقب أبو كنانة وأبو ثمامة احتفاءً بابنتيه. يُعتبر من أسياد بني ذبيان وسمي بالنابغة لنبوغه في الشعر، كما قيل إنه بدأ القول بعد تقدم سنه وقد توفي قبل أن يفقد عقله.
كان يزور بلاط الغساسنة، مادحًا ساداتهم، وتعتبر قصيدته البائية من أعظم قصائد المديح، حيث أثنى فيها على (عمر بن الحارث الغساني) وانتصارات جيشه في (يوم حليمة) ضد أعدائهم بقوله:
إذا ما غزوا بالجيش حلَّق فوقهم
عصائب طير تهتدي بعصائبِ
لا عيب فيهم غير أن سيوفهم
بهن فُلول من قُراع الكتائبِ
تُورّثْنَ من أزمان يوم حليمةٍ
إلى يوم قد جرّبن كل التجاربِ.
تظهر لنا قصائد المدح كأحد أبرز الأغراض الشعرية في العصر الجاهلي، حيث بدأ الشاعر بمدح قبيلته وبطولاتها، ثم تطور الشعر ليصبح وسيلة لكسب الأموال والعطايا.