قصة جابر عثرات الكرام وتأثير أعمال الخير على المجتمع

تُعتَبر حكاية جابر عثرات الكرام واحدة من أروع قصص الإحسان، إذ يُروى عن ابن عباس رضي الله عنه في كتاب “عيون الأخبار” قوله: (صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متكأ)، وهذا تعبير جميل عن مقام أهل المعروف وما يفيض به الله عليهم من الخير. ومن يتتبع مثل هذه القصص يُلاحظ غرابة المواقف التي تتخللها.

قصة جابر عثرات الكرام

تدور أحداث هذه القصة حول رجل بسيط يُدعى خزيمة بن بشر، الذي ينتمي إلى قبيلة بني أسد. لقد رُويت أحداث القصة في عصر الملك سليمان بن سلمان، حيث عُرف خزيمة بشجاعته ومروءته وحسن ضيافته، فضلاً عن كونه شخصية سخية تهتم بخدمة أهل قبيلته.

كان خزيمة يتصدق على الفقراء ويدعم إخوته وأفراد قبيلته، ولا يرفض يد العون لمن يستنجد به. غير أن ما لم يكن متوقعاً حدث، فقد فقد خزيمة ثروته وكل ما يملك، وأصبح في حالة من الحزن والكآبة.

في إحدى الليالي، كان عكرمة الفياض، الوالي الحاكم لمنطقة الجزيرة في ذلك الوقت، يُعرف بكرمه الطاغي، في مجلسه الخاص عندما سمع خبر خزيمة. استقام عكرمة في مجلسه واستفسر عن حال خزيمة، فتأثَّر بشدة عندما علم أنه يعيش في ضيق وحيداً وحزيناً.

مساعدة جابر لخزيمة بن بشر

قرر عكرمة في تلك الليلة جمع الأموال لمساعدة خزيمة، وتمكن من جمع مبلغ قدره أربعة آلاف دينار. وتوجه عكرمة إلى منزل خزيمة بتنكُّر على فرسه، وطرق الباب عدة مرات حتى فتح له خزيمة. وعندما همَّ عكرمة بالمغادرة، ترك مبلغ المال في المنزل، لكن خزيمة أوقفه معرباً عن رغبته في معرفة هويته وسبب تقديمه للمساعدة.

ردَّ عكرمة بأنه لا يرغب في أن يعرفه أحد، وأوضح أن هذا المال هو مساعدة لتخفيف الضيق وتحسين الأحوال. إلا أن خزيمة أصرَّ على معرفة هويته، وعندما واجهه عكرمة قال له: “أنا جابر عثرات الكرام”، فعرج خزيمة إلى منزله في حيرة وسعادة، ونادى زوجته ليخبرها بأن الفرج قد جاء.

استفسارات زوجة عكرمة

بدأت زوجة عكرمة تتساءل حول أسباب تأخره، ورغم قلقها، انتابها شعور بالشك بشأن وجود زوجة أخرى. لكن عكرمة أنكر ذلك، وشاركها القصة بتفاصيلها بعد تعهدها بالحفاظ على السر. انتظر خزيمة حتى طلوع الشمس، ثم خرج نحو تسديد ديونه وتحسين وضعه، فاتجه إلى فلسطين للقاء سليمان بن عبد الملك، أمير المؤمنين، بهدف تسديد دينه. وقد كان لقاء خزيمة بأمير المؤمنين مبنيًا على العتاب والاستغراب.

سأل أمير المؤمنين عن سبب تأخير خزيمة، فأجابه خزيمة موضحاً ضعفه وقلة حيلته، وعند سؤاله عن سبب زيارته، أشار خزيمة إلى أن الله قد أغاثه. أراد سليمان معرفة مصدر المال، فأجاب خزيمة: “جابر عثرات الكرام”، ثم سرد له القصة بالكامل.

دهشة الأمير

أثارت القصة حالة من الدهشة والإعجاب لدى أمير المؤمنين، الذي رغب في مكافأة عكرمة على شجاعته. بعد قراراته بتعيين خزيمة واليًا على الجزيرة، تلقّى خزيمة أمرًا بحبس عكرمة أثناء ذاك.

معلومات حول جابر عثرات

ثم توجه خزيمة مسرعًا لإطلاق سراح عكرمة، وقبّل رأسه وطلب منه أن يسامحه، مُظهراً إلحاحه في طلب العفو. اعتذر خزيمة عن فعله وقرَّر أن يُعاقب نفسه بتقييد قدميه، ولكنه أصرَّ عكرمة على رفضه لهذا الفعل، مؤكدًا أن الأمور قد اتضحت وأن لا داعي للمزيد من الأذى.

في النهاية، اجتمع الاثنان معًا وتوجها إلى سليمان أمير المؤمنين، حيث قال خزيمة: “يا أمير المؤمنين، لقد وجدت جابر”، وسأل سليمان عكرمة عن هويته، فأجابه بأنه عكرمة الفياض.

مكافأة أمير المؤمنين لجابر عثرات

منح أمير المؤمنين سليمان مبلغ عشرة آلاف دينار لعكرمة، بالإضافة إلى تعيينه واليًا على الجزيرة وأرمينيا وأذربيجان. استمر العمل بين خزيمة وعكرمة لدعم مصالح أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك خلال فترة حكمه.

في ختام هذا المقال، يمكن اعتبار أن جابر عثرات الكرام هو عمل أدبي بارز يجمع بين الإثارة والحكمة، حيث يتناول قصة شاب فقير يسعى للانتقام من قاتل والده، ويمتاز بسرد مُحكم ورموز معقدة وأسلوب أدبي سلس.

Scroll to Top