إن واجب إصلاح المجتمع يقع على عاتق كل فرد. كيف يمكننا تحمل هذه المسؤولية؟ إن ما نشهده في مجتمعنا اليوم من مظاهر الانحراف يؤثر سلبًا على الصحة العامة ويؤدي إلى انتشار الأمراض والفوضى، ويرجع ذلك إلى بعض العادات والتقاليد التي تتعارض مع القيم الدينية.
إصلاح المجتمع مسؤولية جميع الأفراد
يتعين علينا أن ندرك الفرق بين الصلاح والإصلاح. فالإصلاح يعني تعديل سلوك الأفراد، مما يؤدي إلى صلاح المجتمع تدريجياً. ويمكننا استخلاص عوامل الإصلاح المجتمعي من سورة العصر.
قال الله تعالى: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) {العصر 3:1}. تتناول هذه السورة أربعة عوامل رئيسية تلعب دورًا في إصلاح المجتمع، وهي:
- معرفة الحقيقة.
- العمل وفق هذه الحقيقة.
- تعليم الآخرين عن الحق.
- التحلي بالصبر في هذا المسعى.
لقد أكد الله في هذه السورة على أن الإنسان في خطر، باستثناء من قاموا بالأعمال الصالحة وعرفوا طريق الحق، وعملوا جاهدين على نشره وتعليمه للآخرين.
تبدأ عملية الإصلاح من الفرد؛ فكل شخص مسؤول عن تصرفاته وأخلاقه، ويتعين عليه البدء بنفسه ثم بالأشخاص الذين لهم ولاية عليه، كأبنائه وأسرته. ويتطلب الأمر الدعوة إلى المعروف بأسلوب لطيف ورفض المنكرات، إذ إن هذه المنكرات تتعارض مع قيم مجتمعنا.
ينبغي أيضًا التركيز على تربية الأبناء بشكل سليم، والاهتمام بجوانب التعليم والسلوك الأخلاقي، لكي يتمكنوا من مواجهة الجهل وبناء مجتمع سليم.
إصلاح النفوس والأفكار العامة يأتي ضمن الأولويات الأساسية.
اقرأ هنا عن:
دور الدين في تعزيز إصلاح المجتمع
- العقيدة الإسلامية ليست فقط محض إيمان، بل هي قيم تدعو إلى الأخلاق الحسنة.
- يشجع الدين على التعاون والوحدة بين الناس في جميع مجالات الحياة.
- يحترم الدين المرأة ويعطيها مكانتها في المجتمع.
- يشدد على أهمية الاحترام بين الزوج والزوجة لتعزيز الحب والمودة.
- وفر نظامًا من العقوبات لحماية النفوس والأعراض.
- حرّم العديد من السلوكيات الضارة، مثل تناول المسكرات والمخدرات، التي تدمر المجتمع وتؤدي إلى تراجع قيمهم.
- يدعو الدين إلى المحبة والتسامح واحترام الجيران وعدم إيذاء الآخرين.
- يحث الأغنياء على مساعدة الفقراء، ويدعو الجميع لاحترام كبار السن.
- ديننا يدعو إلى الخير وينهانا عن الكذب والسلوك السيء، ويشجعنا على استعمال الكلمة الطيبة والعمل الصالح.
أهمية الإصلاح الاجتماعي
- توفير الأمان والسلام بين أفراد المجتمع.
- صلاح المجتمع يمنعه من الهلاك، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود: 117].
- كثرة الفساد والفجور تؤدي إلى دمار المجتمع وانتشار الأمراض.
- قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: 33].
- الإصلاح المجتمعي يؤدي إلى عون الله للفرد وتيسير أموره، في حين أن رفض أوامر الله سيؤدي إلى عذابه.
- قال الله تعالى: ﴿الَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِين﴾ [الأنعام: 6].
الأسس التي ينبغي اتباعها للإصلاح الاجتماعي
يتطلب الإصلاح الاجتماعي اتباع مجموعة من المبادئ والضرورات.
1- إصلاح الفرد
- توجيه الجهود نحو إصلاح عقل الفرد وفكره، الذي يعد أساسًا لإصلاح كافة جوانب حياته الأخرى.
- تحسين المعتقدات من خلال تنميتها الفكري.
- توجيه التصرفات نحو العمل الصالح، والبعد عن الفساد.
- تأكيد العمل وفق ما أراده الله والابتعاد عن النواهي.
- لكل عمل صالح يقوم به الفرد تأثير إيجابي على أخلاقه، مما ينعكس فردياً على المجتمع.
2- إصلاح المجتمع
- الإصلاح الاجتماعي يشمل الجوانب السياسية والتعليمية والثقافية والاقتصادية؛ وهي أهم مجالات الإصلاح التي يجب السعي إليها.
- الإصلاح السياسي شرط أساسي لإقامة العدل وحماية النفس والعرض.
- التأكيد على وحدة المجتمع، لأن التفرق يؤدي إلى ضعف المجتمع وفشله.
- كما قال الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا فَأَنْقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: 103].
المبادئ التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم لإصلاح المجتمع
- بناء المساجد، التي تلعب دورًا فعالًا في إصلاح المجتمع.
- تعزيز الألفة والمحبة بين الناس، حيث إنهم إخوة في الإسلام، وقد وردت أحاديث كثيرة تشير إلى هذا.
- قال النبي: “لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ”.
- وكما قال النعمان بن بشير: “ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوًا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى”.
إصلاح المجتمع هدف من أهداف القرآن الكريم
المساواة بين الأفراد من مختلف الشعوب والقوميات تحث على الوحدة الإنسانية. قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13].
دعوة النبي للمساواة في حجة الوداع
- ما جاء في الدين من توجيهات، يتماشى مع جميع البشر.
- قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: 158].
الفئات الأكثر حاجة للإصلاح الاجتماعي
- الأيتام، الذين يعتبرون فئة ضعيفة في المجتمع ويحتاجون إلى الرعاية والاهتمام بسبب فقدانهم لأحبائهم.
- يجب دعمهم وإعطائهم الفرص حتى يصلوا إلى سن الرشد.
- إصلاح العلاقات الأسرية، والتي تشمل تحسين العلاقة بين الزوجين والأقارب.
- لأن الأسرة هي أساس المجتمع، وتعزيز حقوق المرأة وحمايتها واجب على المجتمع.
- التأكيد على أهمية الصبر، إذ يعتبر الفساد في روابط الأسرة أمرًا مرفوضًا.
- قال الرسول: “ليس منا من أفسد العلاقة الزوجية أو دمّر العلاقة الأسرية القائمة على الود والرحمة”.
- الإصلاح بين المتخاصمين واجب على المسلم، من خلال العفو والتسامح والعمل على إزالة أسباب التنازع.
لا تفوتك قراءة مقالنا عن: