أهم أغراض الشعر في العصر الأموي
تتناول هذه المقالة أبرز أغراض الشعر التي تميز بها العصر الأموي:
الشعر السياسي
نشأ الشعر السياسي في العصر الأموي نتيجة للتوترات السياسية التي كانت تسود في تلك الفترة. انقسم الشعراء إلى فئتين، فئة موالية للبيت الأموي، وأخرى معارضة له، بالإضافة إلى شعراء مؤيدين لعهد آل البيت. استخدم الشعراء كلماتهم للدفاع عن آراءهم السياسية، والتي كانت تستند إلى معتقدات دينية، وبهذا سعى الشاعر إلى التقرب من السلطة الحاكمة من خلال إبداعه الأدبي.
بما أن الشاعر كان يسعى للحصول على الجوائز مقابل شعره، فإن العديد منهم أصبحوا موالين للبيت الأموي بعد أن اقتربهم عبد الملك بن مروان من مجلسه. ومن أبرز المؤيدين لبني أمية: أبو العباس الأعمى، أعشى بن ربيعة، نابغة بني شيبان، عدي بن روقاع، وعبد الله بن الزبير الأسدي.
في المقابل، كان الكميت بن زيد من أبرز المناهضين لحكم بني أمية والداعمين لحكم العلويين، ومن أبرز ما قاله في سياق معارضته لهم ومساندته لآل البيت:
بَنِي هَاشِمٍ رَهطِ النَّبِيِّ فإنَّنِي
:::بِهِم ولَهُم أَرضَى مِرَاراً وأغضَبُ
خَفَضْتُ لَهُم مِنّي جَنَاحَي مَوَدَّةٍ
:::إلى كَنَفٍ عِطفَاهُ أهلٌ وَمَرحَبُ
وَكُنتُ لَهُم من هَؤُلاء وهَؤُلاء
:::مِجَنّاً عَلَى أنِّي أُذَمُّ وأُقصَبُ
وأُرمى وأرمي بالعَدَاوَةِ أهلَها
:::وإنّي لأوذَى فِيهُم وأُؤَنَّبُ
شعر الهجاء
برزت الهجاء في العصر الأموي كامتداد تقليدي لممارسات العصر الجاهلي، حيث كان الهاجي يتناول في قصائده عيوب من يهاجمهم بالسب والشتائم. وقد نهى الإسلام عن ذلك مع استثناءات في المعارك مع المشركين، مثلما قام به حسان بن ثابت. ومع نشوء الحكم الأموي، أعيد إحياء فن الهجاء.
انتقل الشعر من الهجاء التقليدي إلى شعر النقائض، وكان من بين أبرز الشعراء في هذا السياق: جرير، الفرزدق، الأخطل، وثابت بن قطنه، حيث نظموا دواوين خاصة بالهجاء أصبحت تدرس كمثال على هذا الفن. وأحد أشهر أبيات النقائض أكد فيه جرير هجاءه للأخطل:
قالَ الخَليفَةُ وَالخِنزيرُ مُنهَزِمٌ
:::ما كُنتَ أَوَّلَ عَبدٍ مُحلِبٍ خانا
لَقى الأُخَيطِلُ بِالجَولانِ فاقِرَةً
:::مِثلَ اِجتِداعِ القَوافي وَبرَ هِزّانا
يا خُزرَ تَغلِبَ ماذا بالُ نِسوَتِكُم
:::لا يَستَفِقنَ إِلى الدَيرَينِ تَحنانا
لَن تُدرِكوا المَجدَ أَو تَشروا عَباءَكُمُ
:::بِالخَزِّ أَو تَجعَلوا التَنّومَ ضَمرانا
شعر الغزل
يعتبر العصر الأموي بمثابة عصر الغزل بامتياز، حيث انتشرت فيه مدارس شعرية متنوعة. وكان الغزل مقسمًا إلى ثلاث مدارس رئيسية كما يلي:
- الغزل التقليدي
اعتمد الشعراء في هذا النوع على الأسلوب القديم، حيث كانوا يتبعون تقاليد أجدادهم في نظم القصائد وتشكيلها.
- الغزل العذري أو العفيف
كان يركز أصحابه على حب امرأة واحدة والتغني بها، وكانوا ينتمون إلى البيئة البدوية، حيث كانت قلوبهم تشبه قلوب الطيور في خفقانها وعاطفتها. ومن أبرز شعراء الغزل العذري: كثير عزة وجميل بثينة.
- الغزل الماجن
تجول الشاعر في حب أكثر من امرأة في وقت واحد، ومن أبرز شعراء هذا النوع عمر بن أبي ربيعة.
من أجمل ما كتب في الغزل العذري ما قاله جميل بثينة:
فَهَل بثينةُ يا للنَّاس قاضِيتي
:::دَيني وفاعِلةٌ خَيراً فَأجزيها
ترمي بِعينَي مَهاةٍ أَقصدَت بِهما
:::قَلبي عَشِيةَ ترميني وأَرميها
هَيفاءُ مُقبِلَة عَجزاء مُدبِرَة
::ريَّا العِظام بِلا عَيبٍ يُرَى فيها
مِن الأَوانِسِ مِكسالٌ مُبَتّلة
:::خَودٌ غَذَاها بلِين العَيشِ غاذيها
شعر المديح
تجذر المديح في الثقافة العربية منذ العصر الجاهلي، وقد حاول بنو أمية إغراء الشعراء بالمديح لدعم حكمهم، وهذا ما أدى إلى زيادة في عطائهم للشعراء. وقد تميز الشعراء في مدحهم بالأسلوب الفخم والتقرب من السلطة من خلال قصائدهم. ومن أشهر الشعراء الذين اتقنوا فن المديح: جرير، الفرزدق، ذو الرمة، والأخطل.
ولم يقتصر المدح على بني أمية، بل حتى المعارضون لهم كانوا يتبادلون المدح لقادتهم مثل مؤيدي الزبير وآل البيت. ومن أبرز الأبيات في المدح قول زياد بن الأعجم:
إِنَّ السَّماحَةَ وَالمُروءَةَ وَالنَّدى
:::في قُبَّةٍ ضُرِبَت عَلى ابنِ الحَشرَجِ
مَلكٌ أَغرُّ مُتَوَّجٌ ذو نائِلٍ
:::لِلمُعتَفينَ يَمينُهُ لَم تَشنَجِ
يا خَيرَ مِن صَعِدَ المَنابِرَ بِالتُّقى
:::بَعدَ النَّبِي المُصطَفى المُتَحَرِّج
لَمّا أَتَيتُكَ راجياً لِنَوالِكُم
:::أَلفيتُ بابَ نَوالِكُم لَم يُرتَجِ
شعر الطبيعة
إن تصوير الطبيعة في الشعر ليس بمؤشر جديد على العصر الأموي، بل كان موجوداً منذ العصر الجاهلي عندما كان الشاعر يسترسل في الحديث عن الخيمة والصحراء ومأساته لفراق محبوبته. واستمر هذا الاتجاه خلال العصر الأموي، حيث تحسن رؤية الشاعر للطبيعة، مما أضفى عليها جمالًا وتعقيدًا.
من بين الشعراء الذين تناولوا موضوع الطبيعة جرير وذو الرمة والفرزدق في بعض الأحيان، حيث ترك ذو الرمة قصيدة طويلة يبدأها بذكر الماء، وهو شخص عاش في الصحراء وأحبها، فيقول:
ما بالُ عَينِكَ مِنها الماءُ يَنسَكِبُ
:::كَأَنَّهُ مِن كُلى مَفرِيَّة سَرِبُ
وَفراءَ غَرفِيَّة أَثأى خَوارِزُها
:::مُشَلشِلٌ ضَيَّعَتهُ بَينَها الكُتَبُ
أَستَحدَثَ الرَكبُ عَن أَشياعِهِم خَبَرا
:::أَم راجَعَ القَلبَ مِن أَطرابِهِ طَرَبُ
شعر الزهد
يُعتبر الزهد ظاهرة نفسية بارزة في العصر الأموي، خاصةً في سياق الترف الذي كان يسود ذلك الوقت. ارتبط الزهد ارتباطًا وثيقًا بالحياة الروحية للإنسان، وأدى ذلك إلى اتجه عدد من الشعراء إلى التعبير عن مشاعرهم عبر قصائد زهد.
خلال العصر الأموي، الذي شهد تفرق الأحزاب، تمسك الشعراء بفكرة الزهد كوسيلة للتواصل مع الآخرة والتقليل من التعلق بالدنيا. ومن الشعراء المعروفين في هذا المجال: الطرماح، النابغة الشيباني، والعجاج. ومن أجمل ما قيل في الزهد من قصائد ابن أذينة:
لا خَيرَ في طَمَعٍ يُدني لِمَنقَصَةٍ
:::وَغُبَّرٍ مِن كَفافِ العَيشِ يَكفيني
لا أَركَبُ الأَمرَ تُزري بي عَواقِبُهُ
:::وَلا يُعابُ بِهِ عِرضي وَلا ديني
كَم مِن فَقيرٍ غَنِيِّ النَفسِ تَعرِفُهُ
:::وَمِن غَنِيٍّ فَقيرِ النَفسِ مِسكينِ
وَمِن عَدُوٍّ رَماني لَو قَصَدتُ لَهُ
:::لَم يَأخُذِ النِصفَ مِنّي حينَ يَرميني