قصيدة الموت قاطع لا يهاب خصومه
- يقول الشاعر ابن رازكة:
الموتُ قاطعٌ لا تَخيبُ مضاربه
وحوضٌ مُرٌّ كل من عاش فيه شاربُه
وما الناس إلا رائحونَ فَمن مُسبَقٌ
إليه ومَسبوقٌ تَخبُّ نَجائِبُه
يُحب الفتى إدراكَ ما هوَ رغبٌ
ويُدرِكُهُ لابُدَّ ما هوَ راهبُه
كم من لابِسٍ ثوب الحياة فجاءَهُ
على فاجعةٍ عادٍ من الموت سالبُه
ولم يَقِه فرعون عَونٌ أعدّ له
ولا مُرَدٌّ نَمروذٍ حَمت وأشيبُه
وهل كان أبقى بُختنصرَ بختُهُ
وأوصياؤه لما تحداه واجبُه
فما صان حِبراً علمه وكتابُهُ
ولا ملكاً أعلامه وكتيبُه
ولسنا نَسب الدهر فيما يصيبُنا
فلا الدهرُ جاليهِ ولا هو جالبُه
مضى مشرِقَ الأيام حتى إذا انقضت
ليالي أبي حفصٍ تولت غياهيبُه
نقيبٌ نسينا كل شيء لرزئه
تُذكرناهُ كل آنٍ مَناقِبُه
أعانيه أرسلتَ عَزلاءَ مُهجتي
فها دمها حِملاق جفني ساكبُه
طوى نعيه وعيي فها أنا غائبٌ
عن الحِسِّ فيه ذاهل العقل ذاهبُه
تمكن من نفسي بنفسٍ سماعه
جوى فيه كُلّي، ذاب قلبي وقالبُه
فلاقيتُهُ لقاء شوٍ مُتعَلّلٍ
بصدق الأماني والأماني كاذبُه
عزاء حيٍ عمّه الشجوُ لا ينقضي
تساورُهُ حياتُهُ وعقاربُه
أعاتبه فيما أقام ولم يَقُم
على حُجة المُعذور فيما أعاتبه
أهذي السحابُ الغُرُّ وهي مُلِثَّةٌ
بواكيهِ أم تلك الرعود نادبُه
تضعضعتِ الدنيا فسلمى رأيتُهُ
لفقدِ ابن هَد هُدَّ بالهم جانِبُه
فلا حيَّ إلا وهو أصبحَ مأتماً
تُداوَلُهُ أشياخُهُ وكواعبُه
فقد صحَّ موت المكرمات بموتِه
وصَرَّح ناعيهِ ولوَّح ناعبُه
إلى أينَ من أيامهُ العيد كلُها
مأكلُهُ مصفوفةٌ ومواكبه
دعاه السميعُ المستجابُ وطالما
دعا الأجفلي والعام أشهبُ آدبُه
ألا زِمُهُ المكتوبُ أن حَلَّ رابنا
ولكن نظامُ العالم انحلَّ كاتبُه
وما مثلُ الدنيا وراء خِصالِهِ
بشيء سِوى ليل تهاوت كواكبُه
فيا طِرفَهُ ما كنتَ كالخيلِ لا أرى
سواكَ غداةَ الهيعةِ البدر راكِبُه
هو السيدُ الممتدّ في الناسِ ذِكرهُ
وفي البؤسِ كفّاهُ وفي البأسِ قاضبُه
يلاينُ مرتاضًا أريبًا وينبري
هزبرًا أبا أجرٍ على من يُغاضِبُه
فتًى يهَبُ الآلافَ عفوًا وتنكفِي
مخافتَهُ الألوفُ حين تُحاربُه
تنوَّعَ فيهِ النسابُ فكلُّهُم
إلى كلِّ جنسٍ كاملِ الوصفِ ناسبُه
فللأبحُرِ الراوونَ أخبارَ جودهِ
وللقمرِ الراؤونَ كيفَ مَناصِبُه
وللأسودِ الواعونَ شِدَّةَ بأسه
وما دافعت في كلِّ هَيجَا مناكِبُه
مذاهبُ من يولي الجَزيلَ ويَقتنِي
به الوفرَ من أعيَت عليه مذاهبُه
يجدُّ فَيفني من يُناوي مَهَابَةً
ويُجدي وَيفني مَن يُوالي مواهبه
علانيةً يأتَمُّهُ الجمع وارِدًا
فَيَضربُهُ أَو مارِدًا فَيُضارِبُه
يُناجي بما في نفسِ عافيهِ قلبُهُ
فيُتحفُهُ ما فيه نيطت مآرِبُه
أبى فضلهُ الحُذّاق أن يَحذِقُوا به
فلا اليدُ تُحصيهِ ولا الفمُ حاسِبُه
فلم يُغنِهِ المجدُ الذي هو حائِزٌ
تراثًا عنِ المجدِ الذي هو كاسِبُه
علا حَزْمَهُ من طبعِه متعقِّبٌ
يُباعِدُهُ الأمرَ المَلومَ مُقارِبُه
فما سدّهُ مُستأنِسًا ما يُريبُهُ
مُحاكِي السدّ الذي شادَ مارِبُه
معاطِفُهُ ما ضِقنَ ذَرعًا بِحادثٍ
جليلٍ وإن كانت تُخافُ معاطبُه
إمامُ ندىً في جامعِ المجدِ راتِبٌ
تحيلُ القضايا أن تُنالَ مَراتِبُه
منوَّرُ مرآةِ الفؤادِ مُوَفَّقٌ
تراءى لهُ من كلِّ أمرٍ عواقبُه
تفرِّقُ ما يكفي البريّةَ كفُّهُ
وتجمعُ من فوقَ الترابِ ترائِبُه
نسوجٌ على منوالِ ما كانَ ناسجًا
على ذكرِهِ من عهدِ يحيى عناكِبُه
على يده الطولى تقمَّصَت مطرافاً
من العزِّ والإثراءِ ها أنا ساحِبُه
أيَجتَمِعُ البحرانِ إلا إذا رسا
سفينٌ مُدّنةٌ إليه قواربُه
يُحَكِّمُهُ رُبّانُهُ في نفيسِها
ويَدعوهُ فيما يَصطَفي فيُجاوِبُه
فَيُصدِرُ ركبًا بَعدَ ركبٍ ثقيلَةً
بما وَهَبَت تلكَ اليمينُ ركائِبُه
فتبصِرُهُ عذبًا فُراتًا غَطَمطَماً
يَذِلُّ لهُ حِقوُ الأجاجُ وغاربُه
يُزاحِمُ في بثِّ الجَميلِ تَسابُقاً
إلى شكرِهِ أفواهُهُ وحقائِبُه
إلى بابِهِ في كُلِّ تِيها مَنهجٍ
يُؤَدّي إليه طالبَ العُرفِ لاحِبُه
عجبتُ لأيدٍ كيف وارَت بمَضجَعٍ
غمامَ أَيادٍ يوعِبُ الأرضَ صائِبُه
سقى اللَهُ قَبراً ضمّهُ وبَلَ رَحمةٍ
من الروحِ والريحانِ تهمي سحائبُه
وأوفَضَ في وحشِ الترابِ بروحِهِ
إلى حيثُ أترابُ الجِنانِ تُلاعِبُه
فصاحِب عليُّ الصبرَ فيه وآخِهِ
فمحمودةٌ عُقبى مَنِ الصبرُ صاحِبُه
فما حانَ حتى بانَ منك سَمَيذَعٌ
يجاريهِ في مَيدانِهِ ويُجاذِبُه
هو الفاعلُ الخيراتِ قُدّرَ حَذفُهُ
فَثِق بِوُجوبِ الرَفعِ إنكَ نائِبُه
تبارَيتما بدرَيْنِ في أُفُقِ العُلا
فقد سرَّ بادِيَهِ وأحزَن غائِبُه
وما قَلَّدوكَ الأمرَ إلا تَيَقُّناً
لإدراككَ الأمرَ الذي أنتَ طالِبُه
فقُم راشِداً واِقصُد عَدُوَّكَ واثِقاً
بفتحِكَ إذ هَمُّ خَوفِكَ ناصِبُه
فَيُؤيِدُكَ اللَهُ الذي هو باسِطٌ
يدَيكَ فمَغلوبٌ به مَن تُغالِبُه
فلا يَتعَنَك الحُسّادُ عما تَشاؤُهُ
فلن يَمنَع الحُسّادُ ما اللَهُ واهِبُه
فأموالُهم ما أنتَ بالسَّيبِ واهِبٌ
وأعمارُهم ما أنتَ بالسيفِ ناهِبُه
كما لكَ يا إنسانَ عَينِ زمانِهِ
تَكنَّفَهُ حِفظٌ مِنَ اللَهِ حاجِبُه
قصيدة عن الموت ومقتضياته
- يقول الشاعر أبو العلاء المعري:
إن يقتربُ الموتُ مني
فَلَستُ أَكَرَهُ قُربَهُ
وذاكَ أَمنَعُ حِصنٍ
يُصَبِّرُ القَبرَ دربَه
مَن يلقَهُ لا يُراقَبُ
خَطْبًا ولا يَخشَى كُربَةً
كَأَنَّني رَبُّ إبلٍ
أَضحى يُمارِسُ جُرُبَه
أو ناشطٌ يتبَغّى
في مُقفَرِ الأَرضِ عِربَه
وإن رُدِدتُ لأصلي
دُفِنتُ في شَرِّ تُربَةٍ
والوقتُ ما مَرَّ إلا
وَحَلَّ في العمرِ أُربَه
كُلٌ يُحاذِرُ حَتفًا
ولَيسَ يَعدَمُ شُربَه
ويتَّقي الصارمَ العَضّ
بأَن يُباشِرَ غَرْبَه
والنَزعُ فوقَ فراشٍ
أشَقُّ مِن أَلْفَ ضَرْبَةٍ
واللُبُّ حارَبَ فينا
طبعًا يُكَابِدُ حَربَه
يا ساكِنَ اللحدِ عَرِّف
نِيَ الحِمامَ وإِربَه
ولا تَضِنَّ فإنّي
ما لي بِذلِكَ دَربَةٍ
يَكرُّ في النّاسِ كالأحَد
دَلِ المُعاوِدِ سِربَه
أو كالمُعيرِ مِنَ الأعـ
سِلاتِ يَطرُقُ زَرْبَه
لا ذاتَ سِربٍ يُعَرّي الرَ
دى ولا ذاتُ سُربَه
وما أَظُنُّ المَنايا
تَخطو كَواكِبَ جَربَه
سَتأخُذُ النَسرَ والغَفْ
<pَ وَالسِماكَ وتِربَه
فَتَشَتْ عن كُلِّ نَفسٍ
شَرقَ الفَضاءِ وغربَه
وزُرْنَ عَن غَيرِ بِرٍّ
عُجْمَ الأنامِ وعُربَه
ما وَمضَةٌ مِن عَقيقٍ
إِلّا تَهَيِّجُ طَرَبه
هَوىً تَعَبَّدَ حُرًّا
فَمَا يُحاوِلُ هَربَه
مَن رامَني لَم يَجِدني
إنَّ المَنازِلَ غُربَه
كانَت مَفارِقُ جونٌ
كَأَنَّها ريشُ غُربَه
ثُمَّ إِنجَلَت فَعَجِبنا
لِلقارِ بَدَّلَ صِرْبَةً
إذا خَمِصتُ قَليلًا
عَدَدتُ ذَلِكَ قُربَه
ولَيسَ عِندِيَ مِن آلَةِ
السُرى غَيرُ قِربَه
أشعار متنوعة حول الموت
- يقول الشاعر جرير:
أنا الموتُ الذي آتى عليكم
فَلَيسَ لِهارِبٍ مِنّي نَجاءُ
- يقول الشاعر الفرزدق:
أرى الموتَ لا يُبقي على ذي جلدٍ
ولا غَيرةٍ إلا دَنَا له مُرصدًا
أَمَا تُصلِحُ الدُنيا لنا بَعضَ لَيْلَةٍ
من الدَهرِ إلا عادَ شيئٌ فأفسدًا
ومَن حَمَلَ الخيلَ العِتاقَ على الوَجى
تُقادُ إلى الأعداءِ مثنىً ومَوحَدا
لَعَمرك ما أنسى ابنَ أَحوَزَ ما جَرَت
رِيَاحٌ وما فاءَ الحَمامُ وَغَرَّدَا
لَقَد أَدْرَكَ الأَوتارَ إِذ حَمِيَ الوَغَى
بأزدِ عُمانَ إذا أباحَ وأشهَدَا
- يقول الشاعر أبو العتاهية:
لَقَد لَعِبتُ وَجَدَّ الموتُ في طَلَبي
وَإِنَّ في الموتِ لي شُغلاً عَنِ اللعِبِ
لَو شَمَّرَت فِكرتي فيما شُلِقْتُ لَهُ
ما اشتدَّ حِرصي على الدُنيا ولا طَلَبي
سبحانَ مَن لَيسَ مِن شَيءٍ يُعادِلُهُ
إنَّ الحَريصَ على الدُنيا لَفي تَعَبِ
قصيدة الخوف من الموت
ما لِذا الموتِ لا يَزالُ مُخيفًا
كُلَّ يومٍ يَنَالُ مِنّا شَريفًا
مولَعًا بالسَراةِ منّا فَما يَأخذُ
إِلّا المُهَذَّبَ الغِطريفا
فَلَوَ أَنَّ المَنونَ تَعدِلُ فينا
فَتَنالُ الشَريفَ والمَشروفا
كانَ في الحَقِّ أَن يَعودَ لَنا المَوتُ
وَأَن لا نَسومُهُ تَسويفًا
أَيُّها الموتُ لَو تَجافَيتَ عَنْ صَخْرٍ
لَأَلفَيتَهُ نَقِيًّا عَفيفًا
عاشَ خَمسينَ حِجَّةً يُنكِرُ المُنْ
كَراءِ فينا وَيَبذُلُ المَعروفَ
رَحمَةُ اللَهِ وَالسَلامُ عَلَيهِ
وَسَقى قَبرَهُ الرَبيعُ خَريفا