قصيدة: إن بالشعب الذي دون سلع
قال الشنفرى:
إِنَّ بِالشّعبِ الذي دونَ سلعٍ
لَقتيلاً دَمُه ما يُطَلُّ
خَلَّفَ العِبءَ علَيَّ وَوَلّى
أَنَا بِالعِبءِ له مُستَقِلُّ
وَوَراءَ الثَّأرِ منّي ابنُ أُختٍ
مَصِعٌ عُقدَتُهُ ما تُحَلُّ
مُطرِقٌ يَرشُح مَوتاً كَما
أطرَقَ أَفعى يَنفُثُ السمَّ صِلُّ
خَبَرٌ ما نابَنا مصمَئِلٌّ
جَلَّ حَتّى دَقَّ فِيه الأَجَلُّ
بَزَّنِي الدَّهرُ وكانَ غَشُوماً
بِأبِيٍّ جَارُهُ ما يُذَلُّ
شَامِسٌ في القُرِّ حتّى إِذا ما
ذَكَتِ الشِّعرى فَبَردٌ وظِلُّ
يَابِسَ الجَنبَينِ من غَيرِ بُؤس
وَنَدِيُّ الكَفَّينِ شَهمٌ مُدِلُّ
ظَاعِنٌ بالحَزمِ حَتّى إِذا ما
حَلَّ حَلَّ الحَزمُ حَيث يَحُلُّ
غَيثُ مُزنٍ غامِرٌ حيثُ يُجدِي
وَإِذا يَسطُو فَلَيثٌ أَبَلُّ
مُسبِلٌ في الحَيِّ أَحوى رِفَلٌّ
وإِذا يَعدُو فَسِمعٌ أَزَلُّ
وَلَهُ طَعمانِ أَريٌ وَشَريٌ
وَكِلا الطَّعمَينِ قَد ذاقَ كُلُّ
يَركَبُ الهَولَ وَحِيداً وَلا
يَصحَبُهُ إِلّا اليَمانِي الأَفَلُّ
وَفُتُوٍّ هَجَّروُا ثُمَّ أَسرُوا
لَيلَهم حتّى إِذا انجابَ حَلُّوا
كُلُّ ماضٍ قَد تَرَدَّى بماضٍ
كَسَنا البَرقِ إِذا ما يُسَلُّ
فاحتَسَوا أَنفاسَ نَومٍ فَلَمَّا
ثَمِلُوا رُعتُهُم فَاشمَعَلُّوا
فَادَّرَكنا الثَّأرَ مِنهُم وَلَمَّا
يَنجُ مِلحَيَّينِ إِلّا الأَقَلُّ
فَلَئِن فَلَّت هُذَيلٌ شَبَاهُ
لَبِما كانَ هُذَيلاً يَفُلُّ
وَبِما أَبركَهُم في مُناخٍ
جَعجَعٍ يَنقُبُ فِيه الأَظَلُّ
وَبِما صَبَّحَها في ذُراها
مِنهُ بَعد القَتلِ نَهلٌ وَشَلُّ
صَلِيَت مِنّى هُذَيلٌ بِخِرقٍ
لا يَمَلُّ الشَّرَّ حَتّى يَمَلُّ
يُنهِلُ الصَّعدَة حتّى إِذا مَا
نَهِلَت كانَ لَها مِنهُ عَلُّ
تَضحَكُ الضَّبعُ لِقَتلى هُذَيلٍ
وَتَرى الذِّئبَ لَها يَستَهِلُّ
وَعِتَاقُ الطَّيرِ تَهفُو بِطَاناً
تَتَخَطّاهُمُ فَما تَستَقِلُّ
حَلَّتِ الخَمرُ وكانَت حَرَاماً
وَبِلأيٍ ما أَلَمَّت تَحِلُّ
فاسقِنيها يا سَوادَ بنَ عَمرو
إِنَّ جِسمي بَعدَ خالِي لَخَلُّ
رائحٌ بالمجدِ غادٍ عليهِ
من ثيابِ الحَمدِ ثَوبٌ رِفَلٌّ
أَفتَحُ الراحة بالجُودِ جُوداً
عاشَ في جَدوى يَدَيِهِ المُقِلُّ.
قصيدة: أقيموا بني أمي صدور مطيكم
قال الشنفرى:
أَقيموا بَني أُمّي صُدورَ مَطِيَّكُم
فَإِنّي إِلى قَومٍ سِواكُم لَأَمَيلُ
فَقَد حُمَّت الحاجاتُ واللَيلُ مُقمِرٌ
وَشُدَّت لِطِيّاتٍ مَطايا وَأَرُحلُ
وَفي الأَرضِ مَنأى لِلكَريمِ عَنِ الأَذى
وَفيها لِمَن خافَ القِلى مُتَعَزَّلُ
لَعَمرُكَ ما في الأَرضِ ضيقٌ عَلى اِمرئٍ
سَرى راغِباً أَو راهِباً وَهوَ يَعقِلُ
وَلي دونَكُم أَهلَونَ سيدٌ عَمَلَّسٌ
وَأَرقَطُ زُهلولٌ وَعَرفاءُ جَيأَلُ
هُمُ الرَهطُ لا مُستَودَعُ السِرَّ ذائِعٌ
لَدَيهِم وَلا الجاني بِما جَرَّ يُخذَلُ
وَكُلٌّ أَبِيٌّ باسِلٌ غَيرَ أَننَّي
إِذا عَرَضَت أُولى الطَرائِدِ أَبسَلُ
وَإِن مُدَّتِ الأَيدي إِلى الزادِ لَم أَكنُ
بِأَعجَلِهِم إِذ أَجشَعُ القَومِ أَعجَلُ
وَما ذاكَ إِلاّ بَسطَةٌ عَن تَفَضُّلٍ
عَلَيهِم وَكانَ الأَفضَلَ المُتَفَضَّلُ
وَلي صاحِبٌ من دونِهم لا يَخونني
إِذا التبسَت كفِّي بِهِ يَتَأكّلُ
وَإِنّي كَفانِي فَقدُ مَن لَيسَ جازِياً
بِحُسنى وَلا في قُربٍه مُتَعَلَّلُ
ثَلاثَةُ أَصحابٍ فُؤادٌ مُشَيَّعٌ
وَأَبيَضُ إِصليتٌ وَصَفراءُ عَيطَلُ
هَتوفٌ مِنَ المُلسِ المُتونِ يَزينُها
رَصائِعُ قَد نيطَت إلَيها وَمِحمَلُ
إِذا زَلَّ عَنها السَهمُ حَنَّت كَأَنَّها
مُرَزَّأَةٌ عَجلى تُرِنُّ وَتُعوِلُ
وَأَغدو خميصَ البَطنِ لا يَستَفِزُّني
إِلى الزاد حِرصٌ أَو فُؤادٌ مُوَكّلُ
وَلَستُ بِمِهيافٍ يُعَشّي سَوامَهُ
مُجَدَّعَةً سُقبانَها وَهيَ بُهَّلُ
وَلا جَبأَ أَكهى مُرِبٍّ بِعِرسِهِ
يُطالِعُها في شَأنِهِ كَيفَ يَفعَلُ
وَلا خَرِقٍ هَيقٍ كَأَنَّ فُؤادَهُ
يَظَلُّ بِهِ المُكَّاءُ يَعلو وَيَسفِلُ
وَلا خالِفٍ دارِيَّةٍ مُتَغَزَّلٍ
يَروحُ وَيَغدو داهِناً يَتَكَحَّلُ
وَلَستُ بِعَلٍّ شَرُّهُ دونَ خَيرِهِ
أَلَفَّ إِذا ما رُعتَهُ اِهتاجَ أَعزَلُ
وَلَستُ بِمِحيارِ الظَلامِ إِذا اِنتَحَت
هُدى الهَوجِل العِسّيفِ يَهماءُ هَوجَلُ
إِذا الأَمَعزُ الصُوّانُ لاقى مَناسِمي
تَطايَرَ مِنهُ قادِحٌ وَمُفَلَّلُ
أَديمُ مِطالَ الجوعِ حَتّى أُميتَهُ
وَأَضرِبُ عَنهُ الذِكرَ صَفحاً فَأَذهَلُ
وَأَستَفُّ تُربَ الأَرضِ كَيلا يَرى لَهُ
عَلَيَّ مِنَ الطَولِ اِمُرؤ مُتَطَوَّلُ
وَلَولا اجتِنابُ الذَأم لَم يُلفَ مَشرَبٌ
يُعاشُ بِهِ إِلّا لَدَيَّ وَمَأكَلُ
وَلَكِنَّ نَفساً مُرَّةً لا تُقيمُ بي
عَلى الذَأمِ إِلّا رَيثما أَتَحَوَّلُ
وَاَطوي عَلى الخُمصِ الحَوايا كَما اِنطَوَت
خُيوطَةُ مارِيٍّ تُغارُ وَتُفتَلُ
وَأَغدو عَلى القوتِ الزَهيدِ كَما غَدَا
أَزَلُّ تَهاداهُ التَنائِفُ أَطحَلُ
غَدا طاوِياً يُعارِضُ الريحَ هافِياً
يَخوتُ بِأَذنابِ الشِعابِ وَيَعسَلُ
فَلَمّا لَواهُ القوتُ مِن حَيثُ أَمَّهُ
دَعا فَأَجابَتهُ نَظائِرُ نُحَّلُ
مُهَلهَةٌ شِيبُ الوُجوهِ كَأَنَّها
قِداحٌ بِكَفَّي ياسِرٍ تَتَقَلقَلُ
أَو الخَشرَمُ المَبعوثُ حَثحَثَ دَبرَهُ
مَحابيضُ أَرداهُنَّ سامٍ مُعَسَّلُ.
قصيدة: ألا أم عمرو أجمعت فاستقلت
قال الشنفرى:
أَلا أَمُّ عَمرو أَجمَعَت فَاِستَقَلَّتِ
وَما وَدَّعَت جيرانَها إِذ تَوَلَّتِ
وَقَد سَبَقَتنا أُمُّ عَمرو بِأَمرِها
وَكَانَت بِأَعناقِ المَطِيَّ أَظَلَّتِ
بِعَينَيَّ ما أَمسَت فَباتَت فَأَصبحَتَ
فَقَضَّت أُموراً فَاِستَقَلَّت فَوَلَّتِ
فَوَا كَبِدا عَلى أُمَيمَةَ بَعدَما
طَمِعتُ فَهَبها نِعمَةَ العَيشِ زَلَّتِ
فَيا جارَتي وَأَنتِ غَيرُ مُليمَةٍ
إِذ ذُكِرتُ وَلا بِذاتِ تَقَلَّتِ
لَقَد أَعجَبَتني لا سَقوطاً قِناعُها
إِذا ما مَشَت وَلا بِذاتِ تَلَفُّتِ
تَبيتُ بُعَيدَ النَومِ تُهدي غَبوقَها
لِجارَتِها إِذا الهَدِيَّةُ قَلَّتِ
تَحُلُّ بِمَنجاةٍ مِنَ اللَومِ بَيتَها
إِذا ما بُيوتٌ بِالمَذَمَّةِ حُلَّتِ
كَأَنَّ لَها في الأَرضِ نِسياً تَقُصُّهُ
عَلى أَمَّها وَإِن تُكَلَّمكَ تَبلَتِ
أُمَيمَةُ لا يُخزى نَثاها حَليلَها
إِذا ذُكِرِ النِسوانُ عَفَّت وَجَلَّتِ
إِذا هُوَ أَمسى آبَ قُرَّةَ عَينِهِ
مَآبَ السَعيدِ لَم يَسَل أَينَ ظَلَّتِ
فَدَقَّت وَجَلَّت وَاِسبَكَرَّت وَأُكمِلَت
فَلَو جُنَّ إِنسانٌ مِنَ الحُسنِ جُنَّتِ
فَبِتنا كَأَنَّ البَيتَ حُجَّرَ فَوقَنا
بِرَيحانَةٍ ريحَت عِشاءً وَطَلَّتِ
بِرَيحانَةٍ مِن بَطنِ حَليَةَ نَوَّرَت
لَها أَرَجٌ ما حَولَها غَيرُ مُسنِتِ
وَباضِعَةٍ حُمرِ القِسِيَّ بَعَثتُها
وَمَن يَغزُ يَغنَم مَرَّةً وَيُشَمَّتِ
خَرَجنا مِنَ الوادي الَّذي بَينَ مِشعَلٍ
وَبَينَ الجَبا هَيهاتَ أَنشَأتُ سُرَبتي
أُمَشّي عَلى الأَرضِ الَّتي لَن تَضُرَّني
لِأَنكِيَ قَوماً أَو أُصادِفَ حُمَّتي