يعتبر مفهوم الفتوى محوراً أساسياً في الشريعة الإسلامية، حيث يتم من خلالها إيضاح الحكم الشرعي المرتبط بمسألة معينة، وقد يتطلب الأمر إبداء الفتوى دون ورود سؤال من أحد، بهدف توضيح حكم حادثة أو واقعة جديدة. من الجدير بالذكر أن الفتوى قد تتغير بناءً على ظروف محددة تستدعي ذلك.
أمثلة على تغير الفتوى
تتفاوت الفتوى بحسب حال المستفتي، إذ أشار العلماء إلى إمكانية تغيير الحكم الشرعي بحسب الظروف المحيطة به. وفيما يلي أبرز الأمثلة التي تعكس هذا التغير:
التقاط ضالة الإبل
- يُعتبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد حرم التقاط ضالة الإبل.
- إلا أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أقر في عهده بجواز التقاط ضالة الإبل، وبيعها مع إعادة ثمنها لأصحابها.
- وكان السبب وراء تغيير الفتوى هو تفشي الفساد في المجتمع.
ضمان يد الصناع
أمر الإمام علي رضي الله عنه جميع الصناع بتحمل مسؤولية ما تحت أيديهم نظراً لفساد بعض الأخلاق في المجتمع.
قراءة القرآن بالفارسية
- سمح الإمام أبو حنيفة لفئة من الفرس الجدد في الإسلام بقراءة أجزاء من القرآن باللغة الفارسية بغرض عدم فهمهم، لكنها تراجعت عن هذه الفتوى عندما أدركت أنها ساهمت في انتشار الابتداع.
شهادة غير العدول
أقر العلماء في الفترات اللاحقة بإمكانية شهادات من لا يتمتعون بالعدالة في حال غياب الشهود العدول، وذلك لتلبية احتياجات المجتمع وعدم تعطيل مصالح الناس.
رؤية البيوت قبل شرائها
- في الماضي، كانت البيوت تبنى بشكل موحّد، مما كان يسمح للمشتري بالاطلاع على غرفة واحدة فقط عند الرغبة في الشراء.
- لكن مع تنوع أساليب البناء الحالية، أصبح من الضروري رؤية جميع غرف المنزل قبل اتخاذ قرار الشراء.
إعطاء الزكاة للهاشميين
- أوضح الإمام أبو حنيفة والإمام مالك جواز إعطاء الزكاة للهاشميين، أي من هم من نسل النبي، رغم تواجد نصوص تحظر ذلك.
- وعندما تغيرت الظروف وأصبح نظام بيت المال غير مدعم، قام الإمامان بإصدار هذه الفتوى لحماية حقوق الهاشميين وتجنب الفقر.
الأكل من الغنيمة
رأى الشافعية أنه يجوز تناول الطعام من الغنيمة خلال الحروب، بينما منعوا الاستفادة منها قبل إجراء القسمة استناداً إلى الحاجة.
أسباب تغير الفتوى
- توجد أسباب عديدة تدفع العلماء لتغيير الفتوى، مثل تباين الأحكام بحسب الزمان والمكان، إذ تتغير ظروف الأفراد واحتياجاتهم مع مرور الزمن.
- ما يتوافق مع المسلمين في البلاد الإسلامية قد لا يتلاءم مع عادات المسلمين في غيرها، مما يستدعي الحاجة لتغيير الفتوى.
ضوابط تغير الفتوى
تم وضع ضوابط معينة لتغيير الفتوى، نستعرضها فيما يلي:
- اختلاف العادات والتقاليد يُعد عاملاً مؤثراً، مثال على ذلك: الأصناف التي تُخرج منها زكاة الفطر. حيث أشار العلماء إلى جواز إخراج الزكاة من معظم الأقوات المتاحة في البلاد.
- قد يتوافر الأرز بكثافة في بلد، بينما الشعير في آخر، مما يخضع للاحتياجات المحلية.
- توافر الأسباب والشروط الخاصة بالفتوى واختيار الموانع، إذ يُشترط أن يُخرج الزكاة عند بلوغ النصاب.
- في حال وجود دين، يجب عليه سداد ديونه قبل إخراج الزكاة لوجود مانع.
- الضروريات تُعتبر مبرراً لتغيير الفتوى، مثل إباحة أكل الميتة للضرورة، على عكس من يتمتع بخيار.
- تغير الوصف له أهمية، مثل المشروب المسكر الذي يصبح محرمًا، أما إذا تحول إلى نوع آخر لم يعد محرمًا.
- التوازن بين الأمور المأمور بها والممنوعة، ووجود العوائق وزوالها، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم حين ترك قيام الليل تجنبًا لفرضه.
- تغير الوسائل مثل الانتقال من إعداد الحرب بالسيوف والخيول إلى السلاح الحديث.
شروط المفتي
تعتبر مسألة الإفتاء ذات أهمية قصوى في الإسلام، نظراً لارتباطها بتوضيح مراد الله تعالى بالأحكام الشرعية. لذا، ينبغي أن تتوفر شروط معينة في المفتي، وهي كالتالي:
- شروط الأمانة والإخلاص والابتعاد عن الفسق.
- الإلمام بتفاصيل الحكم الشرعي الذي يفتى به واستخدام أساليب الاستنباط المعروفة.
- الاستناد إلى كتاب الله وسنة نبيه، وفهم الناسخ والمنسوخ وأدوات الفقه الأخرى.
- تمكنه من استنباط الأحكام الشرعية مبنية على الأدلة القوية.
- امتلاكه تصوراً واضحاً عن السؤال المطروح ليتمكن من إصدار الحكم الدقيق.
- يتطلب أيضاً الدقة والفطنة في استنتاج الأحكام لتجنب الخداع.