قصائد حب باللغة العربية الفصحى

قصيدة عذل العواذل حول قلبي التائه

يقول المتنبي:

عَذْلُ العَواذِلِ حَوْلَ قَلبي التّائِهِ

وَهَوَى الأحِبّةِ مِنْهُ في سَوْدائِهِ

يَشْكُو المَلامُ إلى اللّوائِمِ حَرَّهُ

وَيَصُدُّ حينَ يَلُمْنَ عَنْ بُرَحائِهِ

وبمُهْجَتي يا عَاذِلي المَلِكُ الذي

أسخَطتُ أعذَلَ مِنكَ في إرْضائِهِ

إنْ كانَ قَدْ مَلَكَ القُلُوبَ فإنّهُ

مَلَكَ الزّمَانَ بأرْضِهِ وَسَمائِهِ

الشمس مِنْ حُسّادِهِ وَالنّصْرُ من

قُرَنَائِهِ وَالسّيفُ مِنْ أسمَائِهِ

أينَ الثّلاثَةُ مِنْ ثَلاثِ خِلالِهِ

مِنْ حُسْنِهِ وَإبَائِهِ وَمَضائِهِ

مَضَتِ الدّهُورُ وَمَا أتَينَ بمِثْلِهِ

وَلَقَدْ أتَى فَعَجَزْنَ عَنْ نُظَرَائِهِ

قصيدة فديناك أهدى الناس سهما إلى قلبي

يقول المتنبي:

فدَيناكَ أهدى النّاسِ سَهماً إلى قَلبي

وَأقتَلَهُم للدّارِعِينَ بِلا حَربِ

تَفَرّدَ في الأحكامِ في أهْلِهِ الهَوَى

فأنتَ جميلُ الخُلْفِ مستحسَنُ الكِذْبِ

وَإنّي لمَمنُوعُ المَقاتِلِ في الوَغَى

وَإن كُنتُ مَبذولَ المَقاتِلِ في الحبّ

وَمَن خُلِقَت عَيناكَ بَينَ جُفُونِهِ

أصابَ الحدورَ السهلَ في المرتقى الصّعبِ

قصيدة رجل على الرصيف

يقول محمد الماغوط:

نُصفُهُ نجوم ونصفه الآخرُ بقايا وأشجارٌ عارية،

ذلك الشاعرُ المنكفئ على نفسه كخيطٍ من الوحل،

وراء كل نافذة شاعرٌ يبكي، وفتاةٌ ترتعش،

قلبي يا حبيبةٌ، فراشةٌ ذهبية، كئيبة أمام نهديك الصغيرين.

كنتِ يتيمةً وذات جسدٍ فوَّار،

ولأهدابك الصافية رائحةُ البنفسجِ البري،

عندما أرنو إلى عينيك الجميلتين، أحلم بالغروب بين الجبال،

والزوارقِ الراحلةِ عند المساء.

أشعرُ أن كل كلمات العالم، طوعَ بناني.

فهنا على الكراسي العتيقة ذاتِ الصرير الجريح،

حيث يلتقي المطر والحب، والعيون العسلية،

كان فمك الصغير، يضطرب على شفتي كقطراتِ العطر،

تترسمُ الدموعُ في عيني،

وأشعر بأنني أتصاعد كرائحة الغابات الوحشية،

كهدير الأقدام الحافيةِ في يوم قائظ.

لقد كنتِ لي وطناً وحان،

وحزناً طفيفاً يرافقني منذ الطفولة،

يومَ كان شعرك الغجري يهيمُ في غرفتي كسحابه،

كالصباح الذاهب إلى الحقول.

فاذهبي بعيداً يا حلقاتِ الدخان،

واخفقْ يا قلبي الجريح بكثرة.

ففي حنجرتي اليوم بلبلٌ أحمرُ يودُّ الغناء.

  • يا أشجار الأكاسيا البيضاء
  • ليتني مطرٌ ذهبي يتساقط على كل رصيفٍ وقبضةِ سوط
  • أو نسيمٌ مقبلٌ من غابة بعيدة، لألملم عطر حبيبتي المضطجعة
  • على سريرها كطير استوائي حنون.
  • ليتني أستطيع التجول في حارات أكثرَ قذارة وضجة،
  • أن أرتعشَ وحيداً فوق الغيوم.
  • لقد كانت الشمس أكثر استدارةً ونعومة في الأيام الخوالي،
  • والسماء الزرقاء تتسلل من النوافذ والكوى العتيقة،
  • كشرانقَ من الحرير.
  • يوم كنا نأكل ونضاجعُ ونموتُ بحرية تحت النجوم،
  • يوم كان تاريخنا نداً وقارات مفروشة بالجثث والمصاحف.

قصيدة أقلي، فأيام المحب قلائل

يقول أبو فراس الحمداني:

أقِلّي، فَأيّامُ المُحِبّ قَلائِلُ،

وَفي قَلبِهِ شُغلٌ عنِ اللّوْمِ شَاغِلُ.

ولعتِ بعذلِ المستهامِ على الهوى،

وَأوْلَعُ شَيْءٍ بِالمُحِبّ العَوَاذِلُ.

أريتكِ، هلْ لي منْ جوى الحبِ مخلصٌ،

وَقد نَشِبَتْ، للحُبّ فيّ، حَبائِلُ؟

وبينَ بنياتِ الخدورِ وبيننا

حروبٌ، تلظى نارها وتطاولُ.

أغَرْنَ على قَلبي بجَيشٍ مِنَ الهَوَى،

وطاردَ عنهنَّ الغزالُ المغازلُ.

تَعَمّدَ بِالسّهْمِ المُصِيبِ مَقَاتِلي،

ألا كُلّ أعضَائي، لَدَيهِ، مَقَاتِلُ.

وواللهِ ، ما قصرت في طلبِ العلاَ؛

ولكنْ كأنَّ الدهر عني غافلُ.

مواعيدُ آمالٍ، تماطلني بها،

مُرَامَاةُ أزْمَانٍ، وَدَهْرٌ مُخَاتِلُ.

تدافعني الأيامُ عما أريدهُ،

كما دفعَ الدَّين الغريمُ المماطلُ.

خليليَّ، أغراضي بعيدٌ منالها!

فهلْ فيكما عونٌ على ما أحاولُ؟

خَلِيلَيّ! شُدّا لي عَلى نَاقَتَيْكُمَا

إذا ما بدا شيبٌ منَ العجزِ ناصلُ.

فمثليَ منْ نالَ المعالي بسيفهِ،

وَرُبّتَمَا غَالَتْهُ، عَنْهَا، الغَوَائِلُ.

وَمَا كلّ طَلاّبٍ، من النّاسِ، بالغٌ

ولا كلُّ سيارٍ، إلى المجدِ ، واصلُ!

وإنَّ مقيماً منهجَ العجزِ خائبٌ،

وَإنّ مُرِيغاً، خائِبَ الجَهدِ، نَائِلُ.

وَمَا المَرْءُ إلاّ حَيثُ يَجعَلُ نَفْسَهُ،

وإني لها، فوقَ السماكينِ، جاعلُ.

وَللوَفْرِ مِتْلافٌ، وَللحَمْدِ جَامِعٌ،

وللشرِّ ترَّاكٌ، وللخيرِ فاعلُ.

وَمَا ليَ لا تُمسِي وَتُصْبحُ في يَدِي

كَرَائِمُ أمْوَالِ الرّجالِ العَقَائِلُ؟

أحكمُ في الأعداءِ منها صوارماً،

أحكمها فيها إذا ضاقَ نازلُ.

وما نال محميُّ الرغائبِ، عنوةً،

سِوَى ما أقَلّتْ في الجُفونِ الحَمائلُ.

قصيدة كل قصيدة، كل حب

يقول أنسي الحاج:

كلُّ قصيدةٍ هي بدايةُ الشعر:

كلُّ حبٍّ هو بدايةُ السماء.

تَجذري فيّ أنا الريح،

اجعليني تراباً.

سأعذبكِ كما تُعذب الريحُ الشجَر،

وتمتصّينني كما يمتصُّ الشجر التراب.

وأنتِ الصغيرة،

كلُّ ما تريدين هيُهدى إليكِ إلى الأبد.

مربوطاً إليكِ بألم الفرق بيننا.

أنتَزعُكِ من نفسكِ

وتنتزعينني،

نتخاطف إلى سكرة الجوهري،

نتجدّد حتى نضيع.

نتكرّر حتى نتلاشى،

نغيبُ في الجنوح،

في الفَقْد السعيد.

ونَلِجُ العَدَم الورديّ خالصَين من كلّ شائبة.

ليس أنتِ ما أُمسك،

بل روح النشوة.

وما إن توهّمتُ معرفةَ حدودي حتى حَمَلَتني أجنحةُ التأديب إلى الضياع.

لمن يَدّعي التُخمةَ، الجوع،

ولمن يعلن السأمَ، لدغةُ الهُيام.

ولمن يصيح «لا! لا!»، ظهورٌ موجع لا يُرَدّ،

في صحراء اليقين المظفَّر.

ظهورٌ فجأةً كدُعابة،

كمسيحةٍ عابثة،

كدُرّاقةٍ مثلَّجة في صحراء اليقين،

ظهوركِ يَحني الرأسَ بوزن البديهة المتجاهَلَة.

فأقول له «نعم! نعم!»، و إلى الأمام من الشرفة العليا.

كلّما ارتميتُ مسافة حبّ،

حرقتُ مسافةً من عمر موتكَ.

كائناً من كنتَ!…

ترتفعُ جذوركِ في العودة،

تمضي واصلةً إلى الشجرةِ الأولى،

أيّتها الأمُّ الأولى،

أيتها الحبيبةُ الأخيرة،

يا حَريقَ القلب،

يا ذَهَبَ السطوح وشمسَ النوافذ،

يا خيّالةَ البَرق المُبْصر وجهي،

يا غزالتي وغابتي،

يا غابةَ أشباح غَيرتي،

يا غزالتي المتلفّتة وسط الفَرير لتقول لي: اقتربْ،

فأقترب،

أجتاز غابَ الوَعْر كالنظرة،

تتحوّل الصحراء مفاجرَ مياه،

وتصبحين غزالةَ أعماري كلّها،

أفرّ منكِ فتنبتين في قلبي،

وتفرّين منّي،

فتعيدكِ إليّ مرآتكِ المخبأة تحت عتبة ذاكرتي.

يداكِ غصونُ الحرب،

يداكِ يدا الثأر اللذيذ مني،

يداكِ عينيكِ،

يداكِ طفلةٍ تَرتكبي،

يداكِ ليلُ الرأس.

تُسكتينني كي لا يسمعونا،

ويملأُ الخوفُ عينيكِ مدَلّهاً مختلجاً بالرعب،

كطفلٍ وُلد الآن.

تنسحب الكلمات عن جسدكِ

كغطاءٍ ورديّ.

يَظهر عُريكِ في الغرفة،

ظهورَ الكلمة الأوحد،

بلا نهائيةِ السراب في قبضة اليد.

مَن يحميني غابَ النهار،

مَن يحميني ذَهَبَ الليل.

ليس أيَّ شوقٍ بل شوقُ العبور،

ليس أيَّ أملٍ بل أملُ الهارب إلى نعيم التلاشي.

فليبتعد شَبَحُ الخطأ،

ولا يقتحْمنا باكراً،

فيخطف ويطفئ،

ويَقتل ما لا يموت،

لكي يعيش بعد ذلك قتيلاً.

الحبّ هو خلاصي أيّها القمر،

الحبّ هو شقائي،

الحبّ هو موتي أيّها القمر.

لا أخرج من الظلمة إلاّ لأحتمي بعريكِ،

ولا من النور إلاّ لأسكر بظلمتك.

تربح عيناكِ في لعبة النهار،

وتربحان في لعبة الليل.

تربحان تحت كلّ الأبراج،

وتربحان ضدّ كل الأمواج.

تربحان كما يربح الدِين عندما يربح وعندما يخسر.

وآخذ معي وراءَ الجمر تذكارَ جمالكِ أبديّاً كالذاكرة المنسيّة،

يحتلّ كلَّ مكان، وتستغربين

كيف يكبر الجميع ولا تكبرين.

ذَهَبُ عينيكِ يسري في عروقي.

لم يعد يعرفني إلاَّ العميان،

لأنهم يرون الحبّ.

ما أملكه فيكِ ليس جسدكِ،

بل روحُ الإرادة الأولى.

ليس جسدك بل نواةُ الجَسد الأول،

ليس روحكِ بل روحُ الحقيقة قبل أن يغمرها ضباب العالم.

الشمس تشرق في جسدكِ،

وأنتِ بردانة،

لأن الشمس تَحرق،

وكلّ ما يَحرق هو بارد من فرط القوّة.

كلُّ قصيدةٍ هي قَلْبُ الحب،

كلُّ حبٍّ هو قلبُ الموت يخفق بأقصى الحياة.

كلُّ قصيدةٍ هي آخرُ قصيدة،

كلُّ حبٍّ هو آخرُ الصراخ،

كلُّ حبٍّ، يا خيّالةَ السقوط في الأعماق،

كلُّ حبٍّ هو الموت حتى آخره.

قصيدة لجفني بشرح الحبّ درس يقرّرُ

يقول علي الغراب الصفاقسي:

لجفني بشرح الحبّ درس يقرّرُ،

عليه حواشي السّقم مني تُحرّرُ.

وللقلب من نار الفؤاد استعارة،

دُمُوعي من ترشيحها تنحدّرُ.

غدا الشّوقُ من دمعي وسُقمي مُظهرا،

عليّ ولكن فاعلُ الشّوق مضمر.

وكم رُمتُ صدقا من تصوّر سلوة،

فيكذبُ في التّصديق ذلك التّصوُرُ.

وصبري منسوخ الرُّسوم بناسخ،

له من سواد اللّحظ وهو المؤخّرُ.

وسرّي ونومي من كراهة صدّه،

مُباحٌ ومندُوبٌ ووصلي يحظر.

وجسمي من شوق لمنضود ثغره،

غدا عرضا لمّا بدا وهو جوهر.

فنضدُ صحاح الجوهري منه محكمّ،

عباب غرامي فيه ما زال يزخرُ.

وما لمديد الدّمع قصرٌ إذا جرى،

وإنّ مديد البحر لا شكّ يقصر.

لإنسان عيني مرسلاتُ مدامع،

لها نبأ فيمن ثناياه كوثرُ.

متى رُمتُ إبهام الهوى عن عواذلي،

فكشّافُها للمبهمات مُفسّرُ.

وبي من ما إذا نُحت يفترُّ قائلا،

أتنكرُ ضوء البرق والنّوء ممطرُ؟

وما افترّ عند النطق إلا وقد غدت،

سوابقُ دمعي في الثّنايا تُسيّرُ.

ولو لا سني تلك الثنايا لما اهتدى،

غرامٌ لقلبي وهو فيها مُحيّرُ.

أقُول إذا شاهدتُ ذاك تولّها،

أيا من يرى دُرّا على الدُرّ يُنثرُ.

إذا نُصّبت أشراكُ جفني وفرعه،

لجرّ الكرى والعقل فهو المظفّرُ.

غزالٌ تقاد الأسدُ طوعاً للحظة،

على أنّهُ من قائد النّوم ينفرُ.

فلو لم يكن في طرفه السّحرُ ما غدت،

لدعوته كلُّ القلوب تُسخّرُ.

ولو ساحر يدعو بأسماء لحظة،

لأغناهُ عن اسم به ظلّ يسحرُ.

ومهما بدا محرابُ حاجب طرفه،

يقل أزهدُ العبّاد اللهُ أكبرُ.

لليلي طولٌ من عذار بخدّه،

وطول الدّجى والشمس في القوس أجدرُ.

ولو أنّ تلك الشّمس كان قرانه،

بأصفر خدّ الصبّ فالسّعدُ يكبرُ.

فكيوانُ طرفي باع قلبي بنظرة،

لزهرة خدّ المشتري وهو أحمرُ.

بدت بحواشي خدّه لامُ كاتب،

تُحيط بوجه من سني البدر أنورُ.

فقيرُ من السّلوان والوصلُ مُعدمٌ،

غنيٌّ عن الأشواق والصّدٌّ مُوسرُ.

لئن راح يُبدي لي مخاوف صدّه،

ومالي من قلب على الصّدّ يقدرُ.

فلي بمن استعلى الأنام حمايةٌ،

ومن بعليّ يحتمي ليس يصغرُ.

أبو الحسن الباشا الزّكيّ الّذي طوت،

معاليه من كانت معاليه تُنشرُ.

مليكُ الورى الصّدرُ الّذي ذكرُ مجده،

لهُ بين أشراف الملوك تصدّرُ.

هُو الملكُ الشّهمُ المهمامُ الّذي به،

قضى السّعدُ في تيسير ما يتعسّرُ.

فلو شاء طاعات الملوك بأسرها،

لكان لهُ خرجٌ عليهم مُقرّرُ.

وتُصبحُ في أقطارها حرسا له،

وتغدُو بهاتيك الحراسة تفخرُ.

مليكٌ له في العلم والحلم والنّدى،

صبابةُ مُشتاق مدى الدّهر تُذكرُ.

مليكٌ له فضل ومجد وسؤدد،

وكل مليك عن معاليه يقصر.

تراه بفرط الميل للعدل آمراً،

فيالك ذو عدل وبالميل يأمُرُ.

لهُ عفَةٌ مقرونةٌ بصيانة،

عن الفحش في أفعاله وتطهّرُ.

لو انقسمت بين الخلائق لم تجد،

على مُسلم وزرا به يتأزّرُ.

له هممٌ لم يُدرك الطرفُ شأوها،

ولا طائرُ النّسرين لو يتطيّرُ.

عزائمهُ كالبيض في كلّ مطلب،

ولم يُثنه من مانع عنه يُحذرُ.

إذا ضُربت للحرب يوما خيامُهُ،

يصحُّ لهُ بالضّرب قسمٌ مُوفّرُ.

لهُ وثباتٌ في وغى الحرب تنثني،

ليوثُ الشّرى عن بأسها وتُؤخّرُ.

إذا ما دعا للحرب يوم كريهة،

كماة له من بأسها الدّهرُ يُذعرُ.

ترى كلّ ليث طالعا فوق غارب،

من الدُّهم في شُهب الأسنّة يزأرُ.

إذا ما جرت في الأرض شُهبُ جياده،

ترى الشّهب في أفق العلى تتحيّرُ.

وإن أصبحت يوماً بساحة مُنذر،

يسوءُ صباحُ المنذرين ويكدرُ.

فما وطئت إلا على جُثث العدى،

تُقُّ من الأعضاء ما ليس يُجبرُ.

Scroll to Top