يعتبر علم البلاغة ذا أهمية بالغة في فهم القرآن الكريم والتعرف على ألفاظ الشعر الجاهلي التي تتسم بالغموض. يُشير مفهوم البلاغة في اللغة إلى القدرة على الوصول إلى المعنى بدقة ووضوح. من خلال موقعنا، سنستعرض نشأة علم البلاغة وكيف تطور عبر العصور.
تعريف علم البلاغة
لم يظهر علم البلاغة كمفهوم مستقل، بل مر بعدة مراحل حتى تبلور, حيث كان موجودًا ضمن معطيات علوم أخرى. وقد برز هذا العلم بشكل خاص في العالم العربي قبل أن يكتشفه الغربيون. من المعروف أن النهضة العلمية ابتدأت أولاً بين العرب ثم انتقلت إلى الغرب، وهو ما أكده المفكر الشهير ابن خلدون في مؤلفه “العبر”.
منشأ علم البلاغة عند العرب
على الرغم من أن العرب خلال فترة الجاهلية كانت لديهم نسبة الأمية مرتفعة، إلا أنهم تميزوا بالفصاحة وبراعة التعبير، حيث كانوا يلقون الشعر والخطب التي اتسمت بالبلاغة والإيجاز. وقد ساعدت البيئة الصحراوية التي عاشوا فيها على تطوير إبداعاتهم الأدبية، فكانوا يتناولون في مواضيعهم الحزن على الأطلال، والتغزل في المحبوب، ومدح القادة والملوك ليحصلوا على مكافآت مادية.
العلماء العرب الذين أسهموا في علم البلاغة
تحدث العديد من العلماء العرب عن علم البلاغة وأكدوا أن العرب كانوا الرواد في اكتشافه، ومن هؤلاء العلماء:
- جعفر بن يحيى في كتابه “نقد الشعر”.
- الجاحظ، الذي يعرف بلقب “زعيم البيان العربي”، في مؤلفه “تاريخ نشأة البلاغة العربية وتطورها”.
- الجاحظ أيضًا في كتابه “البيان والتبيين”، حيث وصف حال العرب من القرن الثاني الهجري إلى الثالث.
- عبد القاهر الجرجاني في مؤلفاته: “أسرار البلاغة”، و”علم التبين”، و”دلائل الإعجاز”، و”أسرار البلاغة في علم البيان”.
- يحيى علوي في كتابه “الطراز”.
- سعد الدين التفتازاني في كتابه “المطول”.
- جلال الدين القزويني في كتابه “الإيضاح والتلخيص”.
- ابن مالك في مؤلفه “المصباح”.
شاهد أيضًا:
أنواع علم البلاغة عند العرب
ينقسم علم البلاغة إلى عدة أقسام، أبرزها: علم المعاني، والإيجاز، والإطناب. وسنتناول كل نوع على حدة بالتفصيل:
1- أنواع الإطناب
عرّف الجاحظ الإطناب في كتابه “الحيوان” قائلاً إن الإطناب هو حدوث ترادف بين كلمتين يتجاوز الكمية المطلوبة من الكلام. ومن أهم أنواع الإطناب:
- الإيضاح بعد الإبهام: وهو إطناب يوضح غموض المعنى في شكلين مختلفين، مثال ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سورةٌ تشفع لقائلها، وهي ثلاثون آيةً ألا وهي تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ”.
- ذكر العام بعد الخاص.
- ذكر الخاص بعد العام.
- التكرار.
- الإيغال.
- الاحتراس.
- التذييل.
شاهد أيضًا:
2- أنواع الإيجاز
يعرّف الإيجاز بالاختصار في القول، وقد كان هذا الأسلوب من أكثر الأساليب التي اعتمدها العرب قديمًا، نظراً لسهولة تعبيرهم بسبب ارتفاع نسبة الأمية. ومن أنواع الإيجاز:
- إيجاز الحذف: يتمثل في حذف جملة أو كلمة دون الحاجة إلى ذكرها، مثل قول الله تعالى: “ألَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ”.
- إيجاز القصر: يتمثل بتقليل عدد الألفاظ واختصارها مع زيادة المعاني القيمة، ومن أشهر أمثلته قول الله تعالى: “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ”.
3- علم المعاني
يُعتبر عبد القاهر الجرجاني مؤسِّسًا لعلم المعاني في أواخر القرن الرابع الهجري وبداية القرن الخامس، حيث قام بتطوير هذا المفهوم في كتابه “دلائل الإعجاز”. يعد علم المعاني أحد أهم فروع علم البلاغة.
شاهد أيضًا:
أهمية علم البلاغة عند العرب
يحظى علم البلاغة بأهمية كبيرة عند العرب؛ إذ يساعد المسلمين في فهم معاني القرآن الكريم وكشف إعجازه وبلاغته. يعتبر هذا العلم هدية من الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم، حيث تحدى العرب، المعروفين بالفصاحة، في أن يأتوا بعين واحدة من آيات القرآن، فلم يستطيعوا.
ختاماً، عزيزي القارئ، نكون قد قمنا بتقديم معلومات حول علم البلاغة، وهو من أهم العلوم، حيث استعرضنا نشأته عند العرب وكيف أُنتقل إلى الغرب. وتطرقنا إلى أهميته في فهم القرآن الكريم.