في سياق الحديث عن التربية المقارنة، يعتبر التعليم المقارن مجالًا أكاديميًا يتناول دراسة النظم التعليمية ومكوناتها (كالمعلم، الطالب، المدير والإدارة)، ويعمل كوسيلة لتشخيص المشكلات التعليمية من خلال مقارنة نظامين تعليميين أو أكثر ضمن إطارات ثقافية وتراثية متنوعة.
نسب ابن خلدون ونشأته
- هو عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، المعروف بأبي زيد وولي الدين الحضرمي الأشبيلي، مؤرخ وفيلسوف وعالم اجتماع بارز. وُلد في تونس وانتقل إلى عدة دول خلال حياته.
- يُعتبر ابن خلدون واحدًا من أعظم المفكرين في الحضارة الإسلامية، حيث ناقشت كتاباته مجالات متعددة مثل الثقافة والتاريخ والسلطة والاجتماع والحضارة.
- تشهد حياته على مراحل متنوعة، جاءت على النحو التالي:
- خصص عشرين عامًا للنمو والتعليم، حيث نشأ في تونس وتلقى تعليمه على يد المعلمين، وبدأ في حفظ القرآن والسعي وراء المعرفة.
- امتدت مرحلة الديوانية والأعمال السياسية حوالي 25 عامًا، انتقل خلالها بين مناطق مثل الصين والمغرب والأندلس، وكان له اهتمامات واضحة بالعمل المكتبي والسياسي.
- استغرقت فترة التأليف ما يزيد عن ثماني سنوات، حيث قام بكتابة “ديوان العبر” و”المبتدأ والخبر” في زمن العرب والفرس والبربر.
- أمضى نحو أربع وعشرين عامًا في مرحلة التدريس والعمل القضائي بمصر، حتى وفاته عام 808 هجرية.
مفهوم التربية لدى ابن خلدون
- نشأ ابن خلدون في بيئة تُعلي من شأن التعليم وتعتبره من القيم الأساسية.
- تأثرت الثقافة العربية آنذاك بالكتابات العلمية والنظريات الفلسفية والأدبية، وأيضًا بمختلف الاكتشافات في مجالات متعددة.
- تميز ابن خلدون برؤية متكاملة للعملية التعليمية، حيث اعتبرها وحدة متكاملة لا تتجزأ، وابتكر نظامًا تربويًا يهدف إلى خدمة المجتمع بشكل فعال.
- كما اعتقد أن التعليم يتطلب التدريب والممارسة، وأن الاستمرار في التعليم وتطوير القيم هما عاملان أساسيان في خلق الثروات وإعادة إنتاجها.
مراحل دراسة التربية المقارنة
- التعليم المقارن يعد علمًا أكاديميًا حديثًا يساهم بشكل بارز في الدراسات التربوية المعاصرة.
- لم يظهر التعليم المقارن كفرع مستقل بين عشية وضحاها، بل يعود أصله إلى العصور القديمة على الرغم من عدم تسميته بذلك.
- كان علم أصول التدريس في السابق يعتمد على الوصف التاريخي، إلا أنه تطور ليكون شبيهًا بالعلوم الاجتماعية، اعتمادًا على الحقائق والملاحظات المنهجية.
- شهد القرن العشرين تطورًا ملحوظًا في الاهتمام بالإطار النظري للتعليم المقارن، بما في ذلك الأصول والنظريات والمبادئ.
- مع تلك الرؤى، أصبح التعليم المقارن يُعتبر علمًا مستقلًا في مجاله خلال العصر الحديث.
تطور مفهوم التربية المقارنة
- بدأت الكتابات حول نظم التعليم في البلدان المختلفة تكتسب استقلالها، حيث ركزت على خصائص الحياة وتفاصيلها.
- استُخدم التعليم المقارن في القرن التاسع عشر لاستلهام أنظمة تعليمية متقدمة وتطبيقها في دول أخرى، بالإضافة إلى إنشاء المؤسسات الجامعية.
- من بين الشخصيات البارزة في مجال التعليم المقارن كان الأمريكي جون غريسكوم والفرنسي فيكتور كوزان والإنجليزي ماثيو أرنولد.
- في مطلع القرن العشرين، انتقل التعليم المقارن إلى مرحلة جديدة نتيجة للتطورات العلمية والثقافية والسياسية.
- انتقل منهج التعليم المقارن من جمع المعلومات إلى التحليل والتفسير للعوامل المختلفة المؤثرة في نظم التعليم.
- سمى جورج بيريداي هذه المرحلة بـ”مرحلة التنبؤ”، حيث كان الهدف منها أكثر من مجرد النقل بل التنبؤ بنجاح النظام التعليمي بناءً على التجارب السابقة.
- أحد أهم الدراسات في التعليم المقارن كانت تلك التي أنجزها المربي الإنجليزي مايكل سادلر عام 1900، حيث ناقش مدى استفادة الدول من نظم التعليم الأجنبية.
- في دراسته، اعتبر سادلر أن كل نظام تعليمي يحمل خصائصه الفريدة ولا يمكن نقله بلا تعديل إلى مجتمعات أخرى، كما أضاف للدراسات بعدًا اجتماعيًا.
- استمر تأثير سادلر على مجالات التربية المقارنة حتى خلال النصف الأول من القرن العشرين.
التربية المقارنة عند علماء المسلمين في الشرق
- ازدهرت المرحلة الوصفية للحياة في البلدان خلال العصر العباسي، وذلك نتيحة للاستقرار الذي سمح للمسافرين الباحثين بوصف أنظمة الحياة.
- كان الحج يحفز على الرحلات لزيارة الأماكن المقدسة، مما أدى إلى وجود مؤلفات مغربية أكثر من مؤلفات الشرق في هذا المجال.
رؤية ابن خلدون لمفهوم العصبية من منظور قيمي
- ربط ابن خلدون مفهوم العصبية بالقبائل وسياق مقاومة الظلم، واعتبرها قيمة مركزية في المجتمع القبلي.
- خلص إلى أن المجتمعات الأكثر ضعفًا تزداد تمسكًا بقيمها خلال الفترات الصعبة، بينما قد تفقد تلك القيم عند تزايد الرفاهية، محذرًا من انتقال القيم المتطرفة بين الأجيال.
- ركز على دور الفرد في تقبل أو رفض القيم، محملاً إياه مسؤولية القيم والتي تنعكس لاحقًا على المجتمع.
- لذا، يعد تحسين المجتمع قيمياً نتيجة تفاعل الأفراد مع قيمهم وسلوكهم النشط نحو اكتساب تلك القيم.
اهتمام ابن خلدون بالجوانب المهنية
- برز اهتمام ابن خلدون بالجوانب المهنية والحرف التي يجب أن يتعلمها الأفراد، مشددًا على أن تطور هذه الصناعات يعكس تقدم المجتمع ورخائه.
- سعى الإنسان عبر العصور لتلبية احتياجاته الأساسية من خلال توفير المتطلبات الضرورية للحياة، وفقاً لمعايير التجربة.
- سيطرت الأرياف على الحرف الأساسية مثل الزراعة والنسيج بينما أصبح التعليم والثقافة أساسيًا في المدن.
اهتمام ابن خلدون بالجوانب الفنية
- شدد ابن خلدون على ضرورة تعلم الفنون من مهنيين مختصين، مع التركيز على عدم تشتيت الجهود والموارد.
- وسع نطاق معرفته وعلمه ليشمل دراسة المجتمع والعوامل المؤثرة فيه.
- قام ابن خلدون بتأسيس منهجية للتعليم تتضمن تصنيف ثلاثة أنواع من المعرفة: الحسية، والتجريبية، والنظرية.
- اعتبر المعرفة الحسية ناتجة عن الذكاء، والمعرفة التجريبية مبنية على التجارب، بينما المعرفة النظرية تمثل مجموعة من الخبرات العلمية.
المقدمة لابن خلدون
- عمل ابن خلدون على توثيق الأحداث التاريخية للعرب والبربر، لمدة أربع سنوات بدءاً من عام 1375 م.
- طور منهجًا لتقييم الأحداث التاريخية وفقًا لمعايير معينة، ليقدم رؤيته الإبداعية التي تعكس المجتمعات المختلفة من منظور اجتماعي.
- نتج عن جهوده “المقدمة”، التي لا تزال تعتبر رمزًا في مجالات علم الاجتماع والثقافة والسياسة والاقتصاد.
علم الاجتماع ونظرة ابن خلدون للمجتمع
- يتناول علم الاجتماع دراسة التفاعلات المجتمعية والعوامل المؤثرة على السلوكيات والأفكار السائدة.
- رأى أن القوانين التي تضعها الحكومات تعتبر موادًا تهدف إلى تنظيم المجتمع وحماية مستقبله، وبالتالي تعزز الابتكار والتنمية.
الحضارة عند ابن خلدون
- عرف ابن خلدون الحضارة بأنها “إتقان الرفاهية وترقية الحرف المختلفة”، مشيرًا إلى أنها تشمل جميع مجالات الحياة وأنماط المعيشة.
- رغم تأثره بثقافته، فقد تكون تصنيفاته لمفاهيم الحضارة غير دقيقة أحيانًا نتيجة لاختلاف العصور.
- تظهر في بعض الأحيان التداخل بين مصطلحات الحضارة والدولة في كتاباته، معترفًا بتطور اللغة عبر الزمن.
- يظل ابن خلدون أول من استخدم مصطلح الحضارة بمعناه الحديث.
تطور الحضارة وانهيارها عند ابن خلدون
- ركز ابن خلدون على مفهوم الحضارة من خلال دراسة أسباب نشأتها وتطورها وتوضيح العوامل التي تؤدي إلى انهيارها.
- اعتبر الجغرافيا عنصرًا حاسمًا في تطور الحضارة، حيث تختلف الظروف المناخية والجغرافية في تأثيرها على النمو الحضاري.
- رأى أن التحضر يتطلب تغييرًا في نمط حياة الناس، مصحوبًا بالثروة الناتجة عن العمل والإنتاج، وأن العدالة تلعب دورًا حيويًا في التنمية.
- في ضوء ذلك، اعتبر التمدن والإفراط في الرفاهية من العوامل المؤدية للانهيار الحضاري، محذرًا من أن الدول لها أعمار مشابهة للبشر.
أهمية دراسة التربية المقارنة
- تتيح الاستفادة من تجارب الدول الرائدة في مجال التعليم والدروس المستفادة من الماضي والمستقبل.
- توفر فهماً أفضل للمشكلات التربوية العالمية، مما يساعد في معالجة هذه المشكلات من وجهات نظر مختلفة لاختيار الحل الأمثل.
- يعتبر التعليم المقارن جسرًا للتواصل بين الثقافات، مما يعزز الفهم المتبادل بين الأمم.
- يعمل النظام التعليمي كمصدر قوة للأمة، وتتطلب الارتقاء بمستواه التركيز على اختيار الوسائل الأفضل من خلال دراسات مقارنة.
فوائد دراسة التربية المقارنة للمعلم
- يمكنه من فهم الماضي والحاضر والتنبؤ بالمستقبل، مما يساعده على تطوير ذاته.
- يساهم في إعداد نموذج المعلم المطلوب، حيث تعتبر المعرفة الذاتية أحد أسس الإعداد المهني.
- ينبغي تأهيل المعلم تقنيًا لتزويده بالمعرفة حول مجالات متنوعة مثل التاريخ والاقتصاد والسياسة.
- يتعلم الطالب كيفية تحليل القوى والعوامل التي تؤثر في شكل النظام التعليمي وفلسفته.
- يمكن من تقييم تأثير التعليم المقارن على السياسات التربوية.
- يساعد في التعرف على الاتجاهات العالمية الراهنة.
- يعمل على تعزيز الحلول الموضوعية لمشكلات التعليم.