مفهوم النظريات المعرفية
تعتبر النظريات المعرفية، والمعروفة أيضًا بنظريات التطور المعرفي، بمثابة إطار علمي يركز على دراسة الذكاء والتعلم لدى الأطفال، وقد أسسها العالم جان بياجيه. حيث اقترح بياجيه في نظريته أن التطور المعرفي لدى الطفل لا يقتصر على اكتساب المعرفة والتعلم فقط، بل يمتد ليشمل تطوير وبناء نموذج عقلي شامل وفهم واضح للعالم المحيط به. يؤمن بياجيه بأن هذا التطور يحدث من خلال تفاعل القدرات الفطرية للطفل مع البيئة والمواقف المختلفة. ويخضع الطفل لأربع مراحل من التطور المعرفي تبدأ منذ لحظة الولادة وحتى وصوله إلى عمر 12 سنة وأعلى.
تجدر الإشارة إلى أن بياجيه طور نظريته بعد أن قام ببحث حول تطوير نسخ فرنسية من أسئلة اختبارات الذكاء. وقد أثار فضوله حول الأسباب التي تكمن وراء إجابات الأطفال، وخصوصًا تلك التي تتضمن أخطاء في الأسئلة التي تتطلب التفكير المنطقي. وقد توصل إلى أن هذه الأخطاء تعكس الفروق الجوهرية بين طريقة تفكير الأطفال والكبار.
أهم النظريات المعرفية
فيما يلي بعض من أبرز النظريات المعرفية التي قام بتطويرها علماء النفس:
نظرية معالجة المعلومات
تستخدم هذه النظرية مثال جهاز الكمبيوتر لشرح كيفية عمل الدماغ البشري. تم تقديم هذه النظرية للمرة الأولى بواسطة العالم جورج أ. ميللر بالتعاون مع مجموعة من علماء النفس الأمريكيين خلال خمسينيات القرن الماضي. تركز هذه النظرية على دراسة كيفية استيعاب الإنسان للمعلومات ومعالجتها وتخزينها في الذاكرة.
توجد أيضًا نظرية أخرى لمعالجة المعلومات قدمها كل من أتكنسون وشيفرين، والتي تحدد عملية تمرير المعلومات عبر ثلاث مراحل قبل تخزينها في الدماغ، وهي:
- الذاكرة الحسية، الذاكرة قصيرة المدى، الذاكرة طويلة المدى.
- الذاكرة العاملة.
نظرية التعلم اللفظي المعرفي القائم على المعنى
تُعرف هذه النظرية أيضًا بنظرية أوزوبل نسبةً إلى مؤسسها، عالم النفس التربوي والعلوم المعرفية ديفيد بول أوزوبل. ويفترض أوزوبل أن الفهم الحقيقي للمبادئ والمفاهيم يتحقق من خلال التفكير الاستنتاجي، مشددًا على أهمية التعلم الهادف بدلاً من الحفظ البسيط. ويتطلب التعلم الهادف تفاعلًا مثمرًا بين المعلومات الجديدة والمعلومات المتاحة مسبقًا، وينطوي على التعرف على الروابط بين الأفكار.
يؤكد أوزوبل أن اكتساب معرفة جديدة يعتمد على ما يعرفه الفرد سابقًا، حيث يبدأ بناء المعرفة من خلال الملاحظة والإدراك للأحداث والأشياء بناءً على المفاهيم المتاحة لديه بالفعل. يركز أوزوبل أيضًا على أهمية تلقي المعلومات بدلاً من التعلم الاكتشافي، وهو ما يجعل نظريته قابلة للتطبيق فقط في سياقات التعليم المدرسي.
نظرية الجشطلت
تعتبر نظرية الجشطلت مدرسة فكرية تهتم بفهم الكيفية التي يدرك بها العقل البشري التجارب الحياتية. نشأت هذه النظرية في أوائل القرن التاسع عشر وتفترض أن الهياكل المدركة في العقل لها خصائص فريدة تختلف عن المكونات الفردية. كلمة “الجشطلت” تعني التكوين أو الهيكل.
تستند مبادئ هذه النظرية إلى الميل الطبيعي للعقل البشري لترتيب الفوضى، حيث يتم تشكيل المعاني بناءً على المعلومات التي يتلقاها الدماغ من خلال العين واتباع طرق معينة في الإدراك. يبدأ الإدراك بإدراك الأشكال الكلية بدلاً من مجرد رؤية مجموعات عشوائية من الصور غير المترابطة. من المعروف أن من أبرز علماء نفس الجشطلت هم ماكس فيرتهايمر، وفولفجانج كوهلر، وكورت كوفكا.
نظرية التعلم عن طريق الاكتشاف
تم تأسيس هذه النظرية على يد العالم جيروم برونر. تعتمد هذه الطريقة التعليمية على الاستفسار والاكتشاف، بدلاً من نمط التلقين التقليدي. تهدف هذه النظرية إلى تحفيز الطلاب على بناء المعرفة اعتمادًا على خبراتهم السابقة، والاستفادة من الخيال والإبداع في تطوير معارفهم، بالإضافة إلى البحث عن معلومات جديدة لاكتشاف الحقائق والروابط ذات الصلة.
تستند هذه النظرية إلى خمسة مبادئ رئيسية تشمل:
- المبدأ الأول (حل المشكلات): يشجع المعلم بموجب هذا المبدأ طلابه على البحث عن حلول للمشكلات التعليمية من خلال استكشاف المعلومات القديمة والجديدة.
- المبدأ الثاني (إدارة المتعلم): هنا، يقوم الطلاب أو المتعلمون بالتعلم إما بشكل فردي أو في مجموعات، مما يتيح لهم التعلم وفق الوتيرة المناسبة لهم، مما يقلل من الضغوط الصعبة.
- المبدأ الثالث (التكامل والتوصيل): يساعد المعلمون خلال هذا المبدأ المتعلمين على دمج المعلومات القديمة مع الجديدة، مما يعزز الاتصال بالعالم الحقيقي ويوفر السياق للمعلومات الجديدة.
- المبدأ الرابع (تحليل المعلومات وتفسيرها): ينص هذا المبدأ على أن التعلم يجب أن يتضمن التحليل والتفسير بدلاً من مجرد حفظ الحقائق.
- المبدأ الخامس (الفشل وردود الفعل): يشدد هذا المبدأ على أن التعلم يحدث من خلال الأخطاء والتجارب، ليس فقط من خلال العثور على الإجابات الصحيحة، مما يعزز التعلم القائم على الاكتشاف.