النظرية الوضعية
تُعتبر النظرية الوضعية “Positivism” من النظريات الرائدة التي أسست لعلم الاجتماع، مما جعله علمًا منفصلًا عن الفلسفة. وقد نادى بها المفكر وعالم الاجتماع أوغست كونت. والمبدأ الأساسي الذي تقوم عليه هذه النظرية هو رفض الأفكار اللاهوتية والميتافيزيقيا، بالإضافة إلى تأسيس علم الاجتماع ضمن إطار علمي، بعيدًا عن التأملات الفلسفية.
ترجع أسباب ظهور هذه النظرية إلى التطورات الكبيرة التي شهدتها العلوم الطبيعية، مثل الأحياء والفيزياء والطب، حيث اتبعت هذه العلوم المناهج التجريبية المبنية على التجربة الحسية باعتبارها المصدر الأساسي للمعرفة البشرية. وقد بدأت ملامح الوضعية تظهر في القرن التاسع عشر، حيث أكد كونت على ضرورة إنكار كل ما لا يمكن قياسه أو اختباره وفق المنهج العلمي التجريبي، مُعتبرًا إياه غير ذي قيمة.
لقد اعتمدت الوضعية على المنهج الاستقرائي، الذي يستند إلى الملاحظة الحسية، وصياغة الفرضيات واختبارها، بهدف التوصل إلى نظرية عامة يمكن تعميمها على ظواهر أخرى. لكن ينبغي الإشارة إلى أن هذا المنهج قد أثر بشكل كبير على العلوم الإنسانية، حيث يظل تعميم النتائج في هذا المجال أحد التحديات الرئيسية في عصرنا الحالي، نظرًا للاختلافات الكبيرة بين البشر.
النظرية الماركسية
تستند الأصول النظرية للماركسية بشكل أساسي إلى الفلسفة التي وضعها كارل ماركس وفريدريك إنجلز، وهما مؤسسا الفلسفة الماركسية. بدأ ماركس حياته الأكاديمية متأثرًا بأفكار هيغل، إذ أن الجدل الماركسي يحمل بصمات الجدل الهيغلي، لكن ماركس قام بإعادة صياغته في إطار مادي، بدلاً من أن يكون مجرد جدل فكري. تشتمل الفكرة الأساسية على الصراع الطبقي كقانون جدلي يقضي بأن الأضداد تتصارع. ورغم أن هذا الصراع يؤدي في الجدل الهيغلي إلى ظهور طرف ثالث، إلا أن ماركس ركز على الصراع بوصفه محركًا للتغيير الاجتماعي.
نتيجة لذلك، أظهر ماركس كيف أن رأس المال كان مركزيًا في فئة معينة من المجتمع بينما كان الباقون يعيشون كعمال كادحين. لذا دعا ماركس إلى أهمية النضال الطبقي لاستعادة حقوق العمال وسلطاتهم المسلوبة. ولذلك، يُعتبر ماركس من أهم المنظرين في علم الاجتماع، وقد أطلق على فهمه التاريخي المادي “المادية التاريخية”، وهو الجزء الثاني من فلسفته، بينما عُرف الجزء الأول بـ “المادية الجدلية”، الذي يُطبق قوانين الجدلية المادية على العلوم الطبيعية، مثل البيولوجيا والفيزياء.
النظرية البنيوية
تُعد النظرية البنيوية نتاجًا لتطور المنهج البنيوي في فرنسا، كصياغة مجموعة من الفلسفات المعروفة مثل الماركسية. برز كلود ليفي شتراوس كأنثروبولوجي يسعى لتطبيق المناهج البنيوية على دراسة المجتمعات البدائية، ولهذا السبب يُعتبر من مؤسسي ما يُعرف بالأنثروبولوجيا الاجتماعية.
تركزت اهتمامات شتراوس على محاولة كشف حقائق العقل البشري، وفهم أنماط التفكير والرؤى السائدة في العصور القديمة من خلال دراسة عادات الشعوب وتقاليدها. وقدم شتراوس نظرة تُفيد بأن المجتمعات القديمة لا يُفترض أن تُعتبر أدنى من المجتمعات الحديثة على سلم التطور البشري، بل ينبغي دراستها وفقًا لمعايير خاصة تتجاوز الأطر الزمنية.