الموشحات
تعتبر الموشحات فنًا أندلسيًا خالصًا، حيث نشأت وتطورت في بلاد الأندلس قبل أن تصل إلى المشرق العربي بعد فترة طويلة. كان لنمو الموسيقى والغناء، بالإضافة إلى قدوم الموسيقي زرياب إلى الأندلس في عام 238 هـ، دورٌ بارز في خلق المناخ المناسب لظهور هذا الفن في أوائل القرن الثالث الهجري. ويُنسب الفضل غالبًا إلى مقدم بن معافى القبري، الذي يعد أول مبتكر لهذا النوع من الشعر، حيث أدخل تجديدات نوعية على الشعر الأندلسي وأسهم في تطويره ليصبح ما يعرف اليوم بالموشحات. ومع ذلك، لا يُعرف اسم الناقد الذي أطلق هذا المصطلح على الفن، مما يشير إلى أن الاسم وُجد في وقت قريب من ولادة هذا الشكل الشعري.
أُطلق اسم “الموشح” للتشابه بينه وبين الوشاح الذي تستخدمه النساء، إذ يبرز التشابه في الشكل. يتكون الموشح من قفل يتألف من مقاطع متعددة يتبعه غصن أيضًا متنوع الأجزاء، حيث تتكرر الأقفال المتشابهة من حيث الوزن والقافية، بينما تتبعها أغصان متشابهة في الوزن تُخصص لكل غصن قافية داخلية خاصة به.
تتميز الموشحات بشعبيتها، إذ ظهرت في أوساط الشعب وتهدف إلى تلبية رغبات العامة. كما اعتمدت في بعض فقراتها على لغة عامة، وغالبًا ما كانت تستند إلى أجزاء من الأغاني الشعبية. لم يكن ترتيبها وفق النهج التقليدي للشعر العربي من حيث الوزن والقافية، بل استخدمت أسلوبًا متجددًا ومتحررًا يعتمد على أوزان متنوعة وقوافي متعددة.
الزجل
الزجل كذلك يعد من فنون الشعر الأندلسي التي نشأت وتطورت في الأندلس، قبل أن تتوسع إلى المشرق العربي، ويعود ظهوره إلى أواخر القرن الخامس الهجري في فترة حكم المرابطين. يُعرف في اللغة بأنه الصوت، سواء كان صوت الرعد أو صوت الحجر، ويرتبط أيضًا بمعنى الغناء والطرب، مما أعطاه اسمه الحالي. ومن أبرز من قام بدراسة فن الزجل هو صفي الدين الحلي، صاحب “المرخص الغالي”، حيث قدم فيه شرحًا مفصلًا حوله. ومن المصادر الأندلسية القليلة التي وصلت إلينا هو ديوان أبي بكر بن قزمان، الذي يحتوي على دراسة شاملة حول الأزجال وأهم خصائصها.
أوضح العديد من الباحثين، قدامى وحديثين، ومن بينهم ابن خلدون الذي ألف كتاب “المقدمة”، أن الزجل يُعتبر ثاني فن مستحدث في الأندلس بعد الموشح، حيث انتشر بصورة واسعة، وكان يتغنى به العامة في الأسواق والأماكن العامة. كما يُعتبر الزجل أصدق تعبيرًا من الشعر التقليدي، نظرًا لقربه من الناس واستخدامه لمفردات بسيطة دون الحاجة إلى تعقيد في اختيار الألفاظ. بينما كان الزجل مستوحى من الموشح، إلا أنه يمتاز ببساطته ولغته المألوفة، على عكس الموشح الذي كُتب باللغة العربية الفصحى وكان أسلوبه أكثر رفعة.
على الرغم من أن أوزان الزجل تعتمد في بعض جوانبها على أوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي، إلا أنها تبقى عربية بتحقق إيقاعها. وتتكامل أغراض الزجل مع أغراض الموشحات والقصائد التقليدية، لكنه تميز بأفكار تتعلق بالغزل والمديح واللهو، إضافة إلى التصوف والزهد.
الأغراض الشعرية
شعر الطبيعة
يعكس شعر الطبيعة مظاهر الأندلس، حيث اتخذ موضوعاته من عناصر الحياة والطبيعة الجامدة. كان الشعراء يستلهمون جمال الطبيعة ليعبروا عن أفراحهم وأحزانهم. وقد احتلت الطبيعة مكانة خاصة في أشعارهم، ووصفوا ما تتمتع به البلاد من منظر خلاب، حيث تحدثوا عن الأنهار والحدائق والطبيعة الخلابة. كما اهتم الشعراء بوصف الورود والأزهار مثل النرجس والقرنفل، بالإضافة إلى الثمار والفواكه، ومسجوا في إبداعاتهم جمال الخمر ومجالس الطرب والموسيقى.
شعر الحنين
حظي شعر الحنين بمكانة خاصة في الأدب العربي القديم، لكن الأندلسيين ارتقوا به عبر مشاعرهم النابعة من فقدان الأوطان والشوق الكبير إلى مدنهم وأحبائهم. فكانت قصائدهم تعبّر عن معاناتهم وحنينهم إلى الأندلس.
الشعر التعليمي
تقدم الحياة العلمية في الأندلس كان لها أثر كبير في الشعر، إذ قام بعض الشعراء بكتابة قصائد وأراجيز تخص العلوم والمعارف السائدة في عصرهم. كان الهدف من ذلك تسهيل الدراسة والحفظ، وإذا ما استمر هذا النوع من الشعر بالازدهار مع بعض الشعراء، مثل ابن عبد ربه ولزهر الدين الخطيب، فقد ساهموا في تطويره وتحسينه عبر الزمن.