إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُعتبر من أركان الدين الإسلامي، ويعكس إنكار المنكر بالقلب فطرة الشخص السليمة وإيمانه بالله سبحانه وتعالى. فالمسلم الذي يسعى لطاعة ربه ويؤمن بعقائده لا يمكنه تقبل المنكر. في هذا المقال، سنتناول مسألة إنكار المنكر بالقلب، وهل يُعتبر فعلاً من مصادر النهي عن المنكر.
هل يعد إنكار القلب جزءًا من مراتب النهي عن المنكر؟
إن إنكار المنكر بالقلب يُعتبر جليًا؛ فالله عز وجل عليم بحال عباده وبضعف النفس البشرية. وقد أتاح الشرع النهي عن المنكر بمستويات مختلفة، وفقًا لاستطاعة الفرد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ” [الراوي: أبو سعيد الخدري] [المحدث: مسلم].
إذا كان المسلم غير قادر على تغيير المنكر بيده أو بلسانه بسبب وجوده في موقف قد يتسبب له بالأذى، فإنه يُعتبر معذورًا إذا لم يتمكن من التغيير.
ما هو معنى إنكار القلب؟
تأتي مرتبة إنكار المنكر بالقلب في المرتبة الثالثة، حيث يشعر المؤمن بكره لهذا المنكر ويرفضه داخليًا. إنه يتمنى لو كان بإمكانه إحداث التغيير، ويعاني من الحزن لاكتفائه بالعجز عن ذلك. هذه المشاعر تعد دليلاً على صدق إنكار القلب.
على المؤمن أن يلجأ إلى الله تعالى طلبًا للعون والمساعدة لتغيير هذا المنكر. كما يُستحب له التوجه بعيدًا عن الأماكن التي يُمارس فيها المنكر.
قال الله تعالى في كتابه الكريم: “وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” [سورة الأنعام، الآية: 68].
كذلك، تشير آية أخرى إلى أن الأفضل الخروج من أماكن المنكر، حيث يقول الله في كتابه: “وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا” [سورة النساء، الآية: 140].
ما هي الأمور التي تعين على النهي عن المنكر؟
إن الله عز وجل لا يأمر بشيء إلا ويمنحنا الوسائل لمساعدتنا في ذلك، مثل الصبر والتحلي بالعلم، وفهم المكافآت المترتبة عن الطاعة لله. فالبعد عن المعاصي وكراهية ما نهى الله عنه من الأمور الأساسية.
وقد تلخصت هذه المعينات في قوله تعالى: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” [سورة النحل، الآية: 125].
من الأمور التي تُعين الأفراد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي تحليهم بالأخلاق الحميدة. كما أن للنهي عن المنكر شروطًا معينة، من بينها أن يكون شيئًا مألوفًا ومعروفًا عنه أنه مُنهى عنه، وأن يظهر بشكل واضح دون تجسس، لكي يُمكن الشخص من القيام بالأمر بالمعروف.
في الختام، نكون قد تناولنا مسألة إنكار المنكر بالقلب وعلاقته بمصادر النهي عن المنكر. ويجب على كل مسلم الالتزام بالسعي للتغيير وفقًا للمراتب المختلفة التي بَيّنها الحديث النبوي.