رؤية ابن الجوزي حول الحب والهوى وذم الحب المفرط
يقول ابن الجوزي: “اعلم أن الهوى هو الميل الفطري إلى ما يناسب الإنسان، وقد وُجد هذا الميل لغرض بقاء الفرد، فإن عدم الميل إلى الغذاء لن يجلب له الأكل، والميل إلى الشراب لن يجلب له الشرب، وكذلك النفس تميل إلى شتى رغباتها. لذا، فالهوى يسعى لجلب ما ينفع الإنسان، كما أن الغضب يأتي للدفاع عن الذات من الأذى. وبالتالي، لا يمكن ذم الهوى بصفة عامة، بل يذم فقط الإفراط فيه، وهو ما يتجاوز حدود جلب المنافع ودرء المفاسد”.
ويضيف: “لكن بما أن الأكثر من تبعات الهوى تكون غارقة في الشهوات، يتم ذم الهوى والشهوات عموماً، وذلك بسبب غالبيتها الضارة. لأن من الصعب فهم الهدف من وجود الهوى في النفس. وإذا تم فهمه، يصبح من النادر العمل وفقه. فعلى سبيل المثال، تم خلق شهوة الطعام للحصول على الغذاء، وقليل ما نجد من يتناول الطعام وفقاً لمصلحته الحقيقية دون إفراط. وإذا وُجد هذا، يتم عد هذا الشخص بعيداً عن ذم الهوى، حيث أنه استخدم الهوى بما يفيد، ولكن الغالبية العظمى لا تقف عند حدود الهوى، بل تنغمس فيه؛ لذا يحصل لهم بعض المنافع اللحظية، بينما يغيب عنهم المفاسد البعيدة، فيظنّون أن الهوى مفيد في كافة الحالات”.
تصنيف ابن الجوزي لمراحل الحب
يذكر ابن الجوزي: “أول خطوة هي أن يتم الاستحسان لشخص ما، يتبعه إرادة القرب منه، ثم تأتي المودة، حيث يصبح الشخص يرغب في امتلاكه. تزداد هذه المودة لتتحول إلى حب، ثم تتطور إلى صداقة، يليها الهوى، حيث يسيطر بمحبوبه بشكل كامل. ومن ثم، يتحول إلى عشق، والذي يمكن وصفه بحالة تيم، حيث يصبح المحبوب مالكاً للعاشق ولا يترك في قلبه سواه، كما يُفهم من تيم الله. وفي المرحلة الأخيرة، تزداد هذه الحالة حتى تصبح ولهاً، وهو الخروج عن الحالة العادية وفقدان القدرة على التمييز”.
تحليل ابن الجوزي لسبب الحب
يقول ابن الجوزي: “إن سبب العشق يتجلى في مصادفة النفس لما يتناسب مع طبيعتها، فتجده يستحسنه وينجذب نحوه. وغالباً ما يكون النظر هو العامل الرئيسي في هذا الانجذاب، وليس مجرد النظرة السريعة بل النظر المتأني والمستمر. وعندما يغيب المحبوب عن الأنظار، تسعى النفس للبحث عنه وتريد القرب منه، فتظهر رغبة الاستمتاع به، مما يجعل الأفكار تدور حوله. وكلما زادت الشهوة الجسدية، طال التفكير فيه”.
آثار التعلق في الحب حسب رؤية ابن الجوزي
يقول ابن الجوزي: “يُؤكد العشق عندما يزداد النظر، وتكثر اللقاءات، وتطول الأحاديث. وإذا تخللت ذلك عناق أو قبلة، يكون العشق عندها قد اكتمل. وقد ذكر الحكماء قديماً أن القُبَل بين المحبين، إذا تسببت في اختلاط اللعاب، تُمسي كأنما هواء مشبع بأنفاسهما يشكل روابط كيميائية تلامس جميع أعضاء الجسم، حيث تخترق هذه الأنفاس إلى الدماغ، وتصل إلى القلب وتؤثر في مجرى الدم، كأنما هو سريان الضوء في البلور، مما يسهم في تعزيز العشق وتطوره”.
أنواع الحب وفقًا لابن الجوزي وأحكامها
يقول ابن الجوزي: “يجب النظر بعناية في حكم المحبة والمودة. فالميل نحو الأشياء المستحسنة لا يُذم، إلا في حالة واحدة وهي أن يصبح الشخص مقيداً بحب غير طبيعي. بينما العشق الذي يتجاوز الحد، ويسيطر على العقل ويغير من مسار الحكمة، فهو مذموم ويدعو الحكماء للابتعاد عنه”.
إفراط العشاق بالنسبة للحيوانات
يقول ابن الجوزي: “يبدو أن العشاق قد تخطوا حدود الحيوانات في غياب ملكاتهم النفسية، حيث ينقادون وراء الشهوات. فهم لم يكتفوا بممارسة شهوة الوطء (وهو من أقبح الشهوات) بسبب طبيعتهم الإنسانية، إذ رغبوا في الحصول عليها من شخص معين، مما زادهم ذلاً وهواناً. بينما تسعى الحيوانات فقط لتفادي الأذى دون تعقيد الأمور، إلا أن هؤلاء استخدموا عقولهم للوصول إلى شهواتهم”.
اختيار المحبوب والاحتفاظ بالحب سرياً وفقاً لابن الجوزي
يقول ابن الجوزي: “على من يرغب في اختيار محبوب أن يميز بين نوعين: إحدى النسوة لجمال صورتها، وصدوق لصالح معانيه. فإذا أعجبتك صورة امرأة، يجب أن تتأمل أخلاقها بعناية قبل أن ترتبط بها عاطفياً. فإذا وجدت الدين هو الأساس، كما قال صلى الله عليه وسلم: ‘عليك بذات الدين’، فينبغي أن تميل نحوها ولكن بحذر ووسطية، لأنه من الخطأ أن تُظهر حبك الشديد، حيث قد يؤدي ذلك إلى مضايقات من الطرف الآخر”، أو ما يعرف بالتحكم والهيمنة على العلاقة.
ضرورة كتمان الحب للولد
قال ابن الجوزي: “كما ينبغي كتمان بعض مشاعر الحب تجاه الأولاد، فهم قد يسيطرون عليك، ويسببون في إهدار مالك، وينهجون سلوك التحكم في العلاقات”.