مفهوم الإحسان
قدّم العلماء مجموعة من التعريفات لمفهوم الإحسان، فهو يمثل النقيض للإساءة ويشير إلى تجنب كل ما هو قبيح ومؤذٍ، والإتيان بما هو جميل وحسن. يُعرف أيضًا بأنه القيام بما هو واجب شرعًا بأفضل وجه، أو عبادة الله -عز وجل- كأنك تراه، وإن لم تكن تراه فهو يراك. كما يشمل تقديم الخير والنفع للمجتمع. بناءً على ما سبق، يمكن اعتبار الإحسان خلقًا رفيعًا يحمل في طياته قيمًا سامية، وصفة يسعى لتحقيقها كل من يريد الخير ويبحث عن الود لكي يكسب قلوب الآخرين. الإحسان هو عطاء بلا حدود، ومجهود بلا تردد، ورعاية خالصة من دون أذى. وقد أظهر الله -عز وجل- هذه الصفة من خلال إحسانه إلى خلقه، حيث ذكر في كتابه الكريم: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، مما يوضح كيف أن الله عز وجل أحسن إلى عباده دون انتظار أي مقابل، منهًا عليهم نعمًا تفيض ولا تُحصى.
أنواع الإحسان في الإسلام
هناك العديد من الصور والأنواع للإحسان التي أوردها العلماء، ومن بينها:
الإحسان في عبادة الله
قد أخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- جبريل -عليه السلام- عن معنى الإحسان بقوله: (أن تعبدَ اللهَ كأنك تراه، فإن لم تكنْ تراه فإنه يراك). وللإحسان في العبادة مراتب؛ الأولى هي عبادة الله كما لو كان المسلم يراه، والثانية عبادة الله لأنه يراه، وتهدف المرتبة الأولى إلى حث المسلم على أداء العبادات برغبة وطموح، وفي حال عدم القدرة على ذلك، يُنصح بأداء العبادات خوفًا ورهبة، مما يؤدي إلى تنفيذ العبادات بأفضل صورة مع الالتزام بشروطها وأركانها وسننها، مع الاستشعار برقابة الله عز وجل.
الإحسان إلى الوالدين
يعتبر الإحسان إلى الوالدين من أشد الأمور أهمية، حيث إنهما أكثر الأشخاص استحقاقًا للإحسان، وقد أمر الله تعالى بالصراحة في ذلك في القرآن الكريم بقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا}.
الإحسان للجيران
حثّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على الإحسان إلى الجار، حيث إن تعزيز الروابط بين الأسر في المجتمع يؤدي إلى صلاح المجتمع وانتشار المحبة والرحمة فيه، وقد قال النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إلى جارِهِ).
الإحسان للمحتاجين والأيتام
من بين الأمور التي تهون القلوب هي الإحسان إلى الفقراء، وقد أمر الله تعالى بذلك في قوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}.
الإحسان في المعاملات التجارية
يجب على المسلم أن يتحلى بالتقوى في معاملاته المالية، حيث يتوجب الالتزام بالعدل والابتعاد عن الظلم وأكل المال الحرام، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ}.
الإحسان تجاه المسيئين
صنّف الهروي -رحمه الله- منازل العبودية إلى ثلاثة، حيث قال: “الدرجة الأولى هي ترك الخصومة والتناسي للأخطاء، والدرجة الثانية تقرّب من يسيء إليك وإكرام من يؤذيك وطلب الاعتذار لمن يضر بك”. وكان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قدوة في ممارسة الإحسان للمسيئين له.
الإحسان في المجادلات
فقد فسر الشوكاني -رحمه الله- قول الله تعالى: {وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ} بأن الأمر يتناول اتباع أفضل السبل في المجادلة، وقد دعا الله -سبحانه- إلى المجادلة الحسنة لأنها تعكس الحق.
الإحسان إلى الحيوانات
يتجلى الإحسان للحيوانات في إطعامها وعلاجها، حيث أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- بحد الشفرة عند الذبح لتخفيف الألم عليها، كما نهى عن ذبح الحيوان أمام آخر لتفادي إيذائه.
الإحسان في القول
ينبغي على المسلم اختيار الكلمات الحسناء في نقاشاته، مما يساهم في تفادي المنازعات. وقد قال الله تعالى: {وَقُل لِعِبادي يَقولُوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ الشَّيطانَ يَنزَغُ بَينَهُم إِنَّ الشَّيطانَ كانَ لِلإِنسانِ عَدُوًّا مُبينًا}.