لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالإيمان بالقضاء والقدر والتسليم لإرادته، فإيمان المسلم لا يمكن أن يكون حقيقياً إلا من خلال الإيمان بهما. يجب على المسلم أن يقتنع بما يجري حوله، حيث يقوم الله عز وجل بامتحان عباده من خلال بعض الأحداث، ولذلك ينبغي على المسلم أن يرضى بذلك ويؤمن بأن كل شيء هو بتقدير الله عز وجل.
فهم القضاء والقدر
- يُعرف القضاء بأنه ما قدره الله سبحانه وتعالى منذ الأزل، ويكون هذا التقدير شاملاً ومطلقاً.
- أما القدر فيشير إلى ما يعلمه الله، حيث كتب الله مقادير جميع الخلائق قبل وجودها في الأزل.
- يُدرك الله عز وجل أن الأحداث ستقع في أوقات معينة لا يعلمها سواه.
- بحسب ابن فارس، القضاء في اللغة يعني إتقان الأمر وإحكامه، كما أنه يمثل الحتم والحكم؛ وأصله يعني القطع.
- أما تعريفه في الاصطلاح فيعني أن الله تعالى خلق الكون وكل ما فيه لحكمة لا يعلمها سواه.
- بينما يُعرف القدر في اللغة بأنه الإحاطة بمقادير الأمور.
- وفي الاصطلاح، يعني القدر أن الله عز وجل يعلم كل ما سيحدث قبل وقوعه، وأن ما قد قدره قد كتب وفق إرادته.
الآيات المتعلقة بالقضاء والقدر
- قال الله تعالى: “مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ”.
- قال الله تعالى: “وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ”.
- قال الله تعالى: “عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ”.
- قال الله تعالى: “وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ”.
- قال الله تعالى: “مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”.
مراتب الإيمان بالقدر
- الإيمان بأن الله عز وجل يعلم كل شيء كان أو سيكون، سواءاً في الماضي أو الحاضر أو المستقبل.
- الإيمان بأن كل ما يحدث مكتوب في اللوح المحفوظ حتى قيام الساعة.
- الإقرار بأن كل ما يجري في الكون من حول المسلم إنما هو بإرادة الله سبحانه وتعالى.
- أن يؤمن المسلم بأن الله هو الخالق الوحيد لكل ما في الوجود.
كيفية الرضا بالقضاء والقدر
- يجب على المسلم أن يتأكد من أن الله عز وجل لا يختار له إلا الخير في جميع أمور حياته، وهذا يتضح من خلال خيارات الله له، كما ورد في قوله تعالى: “قُل لَن يُصيبَنا إِلّا ما كَتَبَ اللَّـهُ لَنا هُوَ مَولانا وَعَلَى اللَّـهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنونَ”.
- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له).
- يتبين من ذلك أن جميع الأقدار خير، حتى وإن بدت عكس ذلك.
- يجب أن يدرك المسلم أن أي ابتلاء يصيبه هو تكفيرٌ عن ذنوبه، وهذا من رحمة الله عز وجل، حتى يذهب إلى الله خالياً من الذنوب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يُبتَلى الرَّجلُ على حَسبِ دينِهِ؛ فإن كانَ في دينِهِ صلابةً زيدَ في بلائِهِ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةً خُفِّفَ عنهُ).
- عندما يتأمل المسلم في ابتلاءات الآخرين، ينبغي أن يستشعر أن ابتلاءه ليس أكبر مما يعاني منه الآخرون، مما يجعله يحمد الله عز وجل ويبدي الرضا بما قدره الله له.
- قال ابن القيم رحمه الله: (عبودية العبد لربّه في قضاء المصائب تتمثل في الصبر عليها، ثم الرضا بها، وهو أعلى منه، ثم الشكر عليها، وهو أعلى من الرضا، وهذا يتطلب أن يكون حبّه متمكناً في قلبه وكما يعلم أن اختيار الله له خير).
- يجب على المسلم أن يعرف أن الصبر من أعظم العبادات، ودليل ذلك قوله تعالى: “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ*أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”.
وصايا النبي لتدريب النفس على القضاء والقدر
قام النبي صلى الله عليه وسلم بتدريب أصحابه على الرضا بالقضاء والقدر من خلال بعض الوصايا، والتي تتمثل فيما يلي:
- تعزيز الإيمان ومجاهدة النفس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، لذلك يجب أن لا يندم المسلم على أي خطوة اتخذها، وعند الإدراك للخطأ، يقول: قدّر الله وما شاء فعل.
- دعاء الاستخارة؛ عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلّمنا الاستخارة في كل أمر، فإذا همّ أحدكم بأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني استخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم…